قوله تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم 1 إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين 2 ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار 3 لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار 4 خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار 5}
  الكتاب المنزل «مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ» يعني: أخلصوا العبادة له فلا تعبدوا غيره «أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ» (ألا): كلمة وضعت لافتتاح الكلام والتنبيه، كأنه يقول: اعلم أن الدين الخالص لله، قيل: هو شهادة أن لا إله إلا الله، عن قتادة، وليس بالأوجه؛ لأن بمجرد هذا القول لا يصير مؤمنًا، وقيل: هو جميع العبادات خالصة له لا يستحقها إلا الله، وهو الاعتقاد الواحد في التوحيد والعدل، والنبوات والشرائع، والإقرار بها، والعمل بموجبها، والبراءة من كل دين سوى دين الإسلام، فالدين الخالص هو الإسلام «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ» يعني: الأصنام، وقيل: أولياء يتولوا أمرهم، عن أبي علي. وقيل: المراد به: المالك، أي: زعموا أن فيهم دون الله مالك يملكهم، عن أبي مسلم. «مَا نَعْبُدُهُمْ» أي: ويقولون: ما نعبدهم «إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى» قيل: كانوا إذا قيل لهم: مَنْ خلقكم؟ ومن خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، فإذا قيل: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: تقربنا إلى الله زلفى، وتشفع لنا عند الله، عن قتادة. وقيل: جوابه في (الأحقاف): {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ}[الأحقاف: ٢٨]، و «زُلْفَى» قيل: منزلة القربى، عن السدي. وقيل: قربى، عن ابن زيد. «إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَينَهُمْ» يوم القيامة «فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» من أمر الدين، فيثيب المحق، ويعاقب المبطل «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي [مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ]» إلى طريق النجاة، وقيل: لا يحكم بالهداية. لمن كان كاذبًا كافرًا بل يحكم عليه بالكفر والكذب «لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا» على ما زعموا وجاز ذلك عليه «لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ» قيل: لكان يصطفي الأرفع، ولا يختار الأَدْوَنَ وهو البنات، عن أبي مسلم. وقيل: لكان يصطفي من الحور العين. وقيل: هذا رد على اليهود والنصارى وغيرهم، أي: لو أراد الله اتخاذ ولد لم يتخذ باختيارهم حتى يضيفوا إليه من شاؤوا؛ بل كان يتخذ باختياره، عن أبي علي. «سُبْحَانَهُ» أي: هو منزه مطهر