التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون 25 فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 26 ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون 27 قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون 28 ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون 29 إنك ميت وإنهم ميتون 30 ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون 31}

صفحة 6062 - الجزء 8

  لأنبيائهم تسلية له وتحذيرًا لقومه أن ينزل بهم ما نزل بأولئك، فقال سبحانه: «كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من أمم الأنبياء كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم «فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ» لا يعلمون، ولا خطر ببالهم مثله «فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ» الذل والهوان «فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» فخسف بعضهم وأغرق بعضهم ومسخ آخرين، فذلك خزيهم في الدنيا «وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» يعني: أن العذاب المعد لهم أعظم لدوامه وعظمه، وخلوصه من كل راحة لو علموا ذلك العذاب، وقيل: لو علموا ذلك لامتنعوا من العصيان «وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» يعني: ما قص من أخبار الأمم، وما نزل بهم، وما ذكر من المواعظ «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» أي: لكي يتذكروا أو يتدبروا فيها، فيعلموا ما يجب عليهم من أمر الدين ويعملوا بموجبه «قُرْآنًا عَرَبِيًّا» يعني: أن تلك الأمثال في القرآن، والقرآن بلغة العرب ليفهموا ذلك «غَيرَ ذِي عِوَجٍ» قيل: غير ذي لَبْسٍ، عن مجاهد. وقيل: غير ذي تضاد، عن عثمان بن عفان. وقيل: غير ذي لحن، عن بكر بن عبد الله. وقيل: ليس فيه لبس، ولا تناقض، ولا مختلف، ولا تضاد، ولا خُلْفٌ، ولا كذب؛ لأن جميع ذلك كلام حكيم، وجميع ما ذكرنا يُعَدُّ عوجًا فلا يجوز عليه «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» أي: ليتقوا الكفر والمعاصي، وقيل: يوحدوه، فيتقوا الشرك؛ لئلا يحل بهم ما حل بغيرهم.

  ثم ضرب للمؤمن والكافر مثلا، فقال سبحانه: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا» بدأ بذلك ليستمعوا إليه، ثم ضرب مثلاً للكافر في عبادة الأصنام فقال: «رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» أي: مختلفون، شبه الاختلاف بالتشاكس، فَهُمْ على حد منه ويتنازعون، وكل يطالبه بالتأمر عليه فهل يستوي حال هذا العبد مع رجل يكون «سَلَمًا» أي: خالصًا «لِرَجُلٍ» بأنه يتوفر على خدمة مولاه، ويجد منه من البر والإكرام ما لا يجده المشترك من مواليه المشاكسين مع التوفر على خدمتهم كلهم فلا يجد