قوله تعالى: {كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون 25 فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 26 ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون 27 قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون 28 ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون 29 إنك ميت وإنهم ميتون 30 ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون 31}
  منهم يدا. وقيل: إن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء. وقيل: ضرب للمؤمن في عبادته لله خالصًا، وللمشرك في عبادته الأصنام هذا المَثَلَ، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. ووجه ذلك: أن المشرك لا يجد من الله كرامة؛ لأنه لا يعبده خالصًا، ولا من الأصنام بِرًّا، فهو كالعبد المشترك بين جماعة مشتركين سيئة أخلاقهم، لا يجد من أحد برًّا وكرامة، ومثل المؤمن الذي يعبد الله وحده - في أنه يجد كرامته وبره - كعبد له مولى واحد يتوفر على خدمته، فيجد من بر مولاه وكرامته ورضاه، أشار إلى أن الواجب عبادة الله وحده من غير إشراك، فإن المشرك مُنَغَّصُ العيش والموحد السالم في راحة، وقيل: العبد المشترك أبدًا في شدة لا يرضى عنه واحد ولا يكرمه، فهو في عمل شديد ضائع بخلاف من له مولى واحد، كذلك المؤمن والمشرك «هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا» أي: لا يستويان في حالهما، قل يا محمد: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» قيل: احمدوه على هذا البيان الظاهر، والهداية، وقيل: احمدوه واشكروه حيث لطف لكم حتى عبدتموه وحده، وأخلصتم الإيمان والتوحيد، أي نعمة عظيمة موجبة للشكر، وقيل: الحمد لله دون كل معبود، وقيل: احمدوا الله حيث جعلكم من أهل البصيرة «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» قيل: أكثرهم ضال فاحمدوا الله على العلم، وقيل: لا يعلمون طريق الاستدلال بالشاهد على الغائب، وقيل: لا يعلمون أنك ناصح لهم، وقيل: احمد الله بأن أظهرك بالحجة عليهم بأنهم لا يعلمون، حيث جعلوا أنفسهم عبيدًا لجماد لا ينفع ولا يضر.
  ثم بين أن لهم مقامًا يبين المحق من المبطل، فقال سبحانه: «إِنَّكَ مَيّتٌ وِإنَّهُمْ مَيّتُونَ» يعني: سيموتون جميعًا، وذكر بلفظ الماضي؛ لأنه كائن لا محالة، قال قتادة: نعي إلى رسول الله ÷ نفسه، ونعيت إليكم أنفسكم «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ» أي: في الموضع الذي يحكم هو بين عباده «تَخْتَصِمُونَ» المحق والمبطل، والظالم