التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون 25 فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 26 ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون 27 قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون 28 ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون 29 إنك ميت وإنهم ميتون 30 ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون 31}

صفحة 6064 - الجزء 8

  والمظلوم، واختلفوا في هذه الخصومة، قيل: خصومة المسلمين الكفار في الدين، عن ابن زيد. وقيل: هو الخصومة بين أهل الإسلام، عن أبي العالية. وقيل: بين المهتدي والضال، والصادق والكاذب، عن ابن عباس. وكان أبو العالية يقول: هم أهل القبلة، قال ابن عمر: كنا نرى أن هذه الآية فينا وفي أهل الكتابين، وقلنا: كيف نختصم ونبينا واحد، وكتابنا واحد؟! حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعلمت أنها نزلت فينا.

  وعن أبي سعيد الخدري في هذه الآية: كنا نقول: ربنا واحد، ونبينا واحد، وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟! فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا.

  وعن إبراهيم: لما نزلت هذه الآية قالوا: كيف نختصم، ونحن إخوان؟! فلما قتل عثمان قالوا: هذه خصومتنا.

  وقيل: أراد الخصومة في الدنيا والدِّين بين المؤمن والكافر، وبين الموحد والمشبه، والظالم والمظلوم، وكذلك في باب الأديان؛ لأن جميع ذلك مما تقع فيه الخصومة، فهذا أوجه، وحينئذ يظهر المحق من المبطل.

  · الأحكام: يدل قوله: {فَأَذَاقَهُمُ} أنه تعالى جمع لهم بين عذاب الدنيا والآخرة، فدل أن أحدهما لا يسقط الآخر.

  وتدل أن الفاسق إذا أقيم عليه الحد لا تسقط عنه عقوبة الآخرة إلا أن يتوب.

  ويدل قوله: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} أن القرآن يشتمل على الأدلة والأمثال.

  ويدل قوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أنه أراد منهم التذكر، خلاف ما تقوله الْمُجْبِرَة.

  ويدل قوله: {قُرْآنًا} الآية، على أنه لا تفاوت فيه ولا تناقض، وأنه حجة، وأنه محدث؛ لأن القديم لا يكون عربيًّا.

  وتدل على أنه يضرب الأمثال، ويذكر أمورًا في الدنيا ليفهم بها أمور الدين، فشبه