التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 42 أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون 43 قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون 44 وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون 45}

صفحة 6074 - الجزء 8

  وقيل: يتصل بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} بَيَّنَ أن المستحق للعبادة خالق السماوات والأرض، ومالك النفع والضر والموت والحياة.

  ويقال: كيف يتصل قوله: {أَمِ اتَّخَذُوا} بما قبله؟

  قلنا: قميل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ} فكما أن أصنامهم لا تملك نفعًا، لا تملك شفاعة.

  وقيل: يقصل بما قبله من ذكر الأصنام، أي: يعبدون مَنْ هذه صفته، ويتخذون.

  وقيل: يتصل بقوله: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ} أي: على الله توكلوا أم على الَّذِينَ اتخذوا؟!

  وقيل: بقوله: {يَتَفَكَّرُونَ} أي: هلا تفكروا فعلموا أن ما هم عليه ليس بشيء، وأن القديم هو الله الواحد.

  · المعنى: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ» يعني: يقبضها عن التصرف ويمسكها ويحبسها، ويدل عليه أنه جعل الإرسال ضد التوفي، قيل: إن المراد بالتوفي الإمساك والحبس «حِينَ مَوْتِهَا» يعني: وقت موتها وانقضاء أجلها بإخراج الحياة والروح «وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا» يعني ويقبض التي لم تمت في منامها، فيحبسها عن التصرف «فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ» إلى يوم القيامة لا تعود إلى الدنيا «وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى» يعني: النائم «إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» إلى وقت سمي لموته «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» في الأدلة، وقيل: في الآية تقديم وتأخير، وتقديره: الله يتوفى الأنفس حين موتها فيمسك، والتي لم تمت في منامها تعيش إلى انتهاء أجلها.