قوله تعالى: {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 52 قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم 53 وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون 54 واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون 55}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أن النعم منه، خلاف ما تقدم من قولهم، فقال تعالى: «أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ» أي: يوسع على من يشاء من عباده «وَيَقْدِرُ» أي: يضيق بحسب المصلحة «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمنُونَ» هم يستدلون، فعلموا ذلك.
  ثم دعاهم إلى الإسلام بألطف كلام، فقال: «قُلْ» يا محمد «يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ» يعني: جاوزوا الحد في العصيان «لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» أي: لا تيأسوا فتقيموا على الكفر والعصيان، والقنوط: أن يظن العاصي أن لا مخلص له في حال التكليف، وهذا باطل؛ لأنه وإن عظمت ذنوبه وكثرت وتاب قبلت توبته، وغفرت ذنوبه «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا» قيل: بشرط التوبة، وقيل: يغفر لمن يشاء. وعن أبي الجوزاء: ما علمت أحدًا من أهل العلم ولا من أصحاب محمد ÷ يقول لذنب: إن الله لا يغفر هذا، وعن ثوبان أن النبي، ÷ تلا هذه الآية فقال رجل: يا رسول الله، ومن أشرك؟ فسكت النبي، ÷، ثم قال: «ألا ومن أشرك، ألا ومن أشرك، ألا ومن أشرك»، فدل أن هذا الغفران بالتوبة «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
  «وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ» قيل: ارجعوا إليه بالطاعة، عن ابن زيد. «وَأَسْلِمُوا لَهُ» أي: استسلموا له وانقادوا في جميع ما أتاكم به، عن أبي علي. وقيل: ادخلوا في السلم واخرجوا من عداوته إلى ولايته وهو الإسلام، عن أبي مسلم. «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ» الاستئصال، وقيل: العذاب في وقت النزع بالضرب والاستخفاف «ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ» أي: لا ينصركم أحد لينجيكم «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» قيل: اتبعوا القرآن فإنه أحسن شيء أنزل تلاوة وعملاً، وقيل: الأحسن ما أمر الله به في الكتاب، عن السدي. وقيل: الأحسن هو المُحْكَمَاتُ، عن ابن زيد. وقيل: الأحسن هو الناسخ دون المنسوخ، عن أبي علي. قال علي بن عيسى: والمنسوخ لا يجوز العمل به فلا يجوز حمل الآية عليه؛ لأن الحسن يكون أحسن من القبيح، وقيل: هذا لا يصح؛ لأن الناسخ أصلح وأحسن، وإن كان المنسوخ حسنًا، وقيل: الأحسن أن