التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين 56 أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين 57 أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين 58 بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين 59 ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين 60 وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون 61}

صفحة 6085 - الجزء 8

  أحدهما: أنه جواب (لو).

  والآخر: العطف على المصدر، وهو الكَرَّةُ، أي: لو أن لي كرة فأكون.

  قال الأخفش: و (ترى) غير عامل في {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} إنما هو ابتداء وخبره.

  {أَن تَقُولَ}، تقديره: من قبل أن يأتيكم، ومن قبل أن تقول.

  {بَلَى} جواب النفي.

  (مفازتهم): أصله «مَفْوزَتهم»؛ لأنه من الفوز؛ ولكن الواو قلبت ألفًا؛ لأنها مفتوحة.

  القصة

  قال أبو صالح: كان في بني إسرائيل ناسك، فألقى الشيطان إليه أن لك عُمْرًا طويلاً، فتمتع بالدنيا ثم [تُبْ]، فأخذ في الفسق، وجاءه ملك الموت بغتة، فقال: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وهو عمري في طاعة الشيطان، وأسخطت ربي، وندم حين لا تنفع الندامة، فأنزل الله تعالى خبره في القرآن.

  وعن الحسن أن هذه الآية نزلت في الْمُجْبِرَة.

  وروي أن الشيطان يحضر، ويقال له: لِمَ لمْ تسجد لآدم وعصيت اللَّه؟ فقال:

  كان ذلك بقضاء الله وقدره، فيقال له: كذبت، فيقول: لي على ذلك شهود، فينادى:

  أين شهود الشيطان وخصماء الرحمن؟، فتقوم طائفة من هذه الأمة، ويشهدون له بذلك، فيخرج من أفواههم دخان أسود، وتسود وجوههم. قال: ويدل عليه أنه ورد عقيب قوله {بَلَى} وهذا مذهب الجبر.

  وقيل: الآية عامة في الْمُجْبِرَة والمشبهة، وكل من يكذب على الله تعالى.

  · المعنى: ولما حثهم على التوبة حذرهم فوتها وامتناع التلافي، فقال سبحانه: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ» أي: لئلا تقول نفس يوم القيامة إذا لم تؤمن في الدنيا، كقوله: {أَن تَمِيدَ بِكُمْ}⁣[النحل: ١٥]. و {أَن تَضِلُّوا}⁣[النساء: ١٧٦] يعني: أنيبوا قبل أن يأتي العذاب فتقول: «يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ» قصرت في طاعة الله «فِي جَنْبِ اللَّهِ» وقيل: في أمره، عن مجاهد، والسدي.