التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين 56 أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين 57 أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين 58 بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين 59 ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين 60 وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون 61}

صفحة 6086 - الجزء 8

  وقيل: في طاعته، عن الحسن. وقيل: في حقه، عن سعيد بن جبير. وقيل: في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله وثوابه المجانب للسبل المضلة، عن أبي مسلم. والعرب تسمي الجانب جنبًا، قال الشاعر:

  التَّاسُ جَنْبٌ والأمَيرُ جَنبُ

  أي: الناس في جانب، والأمير في جانب، وقيل: «فِي جَنْبِ اللِّه»: في ذاته، يقال: كسبت هذا المال في جنب فلان، وقيل: يا شدة الندامة على ما فرطت في جنب أمر الله، كما يقال: هذا قليل في جنب ما كنت أرجو نيله «وَإنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ» المستهزئين بالنبي والكتاب، عن قتادة، والسدي. وقيل: من الساخرين لمن يدعوني إلى الإيمان، يعني: ما كنت إلا كذلك «أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» لما لم ينظروا في الأدلة وأعرضوا عن القرآن واشتغلوا بالدنيا والأباطيل، توهموا أن الله لم يهدهم، ولم يُزِحْ عللهم، فقال بالظن: «لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي». وهنا رد الله عليه فأجاب بقوله: «بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا ...» الآية، وقيل: لو أن الله هداني إلى النجاة بأن ردني إلى حال التكليف لكنت ممن يتقي المعاصي، عن أبي علي. هذا هو الوجه؛ لأنهم يضطرون إلى العلم بأن الله هداهم، وقيل: معنى «هداني» اهتديت، كأنه يقول: لو اهتديت حين هداني اللَّه، وقيل: يقول ذلك تحسرًا لا تخبرًا، وقيل: لم يعلم أنه تعالى نصب الأدلة وأزاح العلة لاتباع الرؤساء وتقليدهم فعل ذلك على حسب اعتقادهم في الدنيا، فتقديره: أفتقول: كنا نقول: لو أن اللَّه هداني. وقيل: معناه: لو لطف لي لاهتديت، وهذا أيضًا لا يصح؛ لأنه لو كان لهم لطف لفعل. وقيل: ينطق الله لسانه ليتكلم بما كان يتكلم به في الدنيا لكذبه «أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً» أي: رجعة إلى الدنيا «فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» فيها، فقال تعالى: «بَلَى» ففيه رد لما قالوا وإثبات خلافه، أي: ليس كما قلتم، ولقد جاءتكم آياتي. «آيَاتِي» وهي الكتب، والمعجزات، وبعث الرسل، وإزاحة العلل «فَكَذَّبْتَ بِهَا» فأتيت في ذلك مِنْ قِبَلِ نفسك، عُرِضَتْ عليك فكذبت بها، أي: