قوله تعالى: {أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين 56 أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين 57 أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين 58 بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين 59 ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين 60 وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون 61}
  بآياتي، وقيل: بكتب الأنبياء «وَاستكْبَرْتَ» أي: أنفت عن قبول الحق واتباع الرسل «وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ».
  «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ» بإضافة الولد إليه أو الشبه بخلقه أو تجويزه «وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى» مقام «لِلْمُتَكَبّرِينَ» عن أن يؤمنوا، وقيل: سواد وجوههم يخالف سواد وجوه الآخرين؛ ليعلم أنهم الَّذِينَ كذبوا على الله «وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا» أي: يخلص من يتقي معاصيه «بِمَفَازَتِهِمْ» أي: بمنجاتهم من العذاب، قيل: بأعمالهم الحسنة، وقيل: بطاعتهم، عن ابن عباس. وقيل: بجزاء أعمالهم «لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ» أي: لا يصيبهم مكروه، فلا يحزنون.
  · الأحكام: الآية تدل على أن المستحق للعذاب يتلهف ويتحسر، ويقول جميع ذلك حين لا طريق إلى الخلاص، وفيه لطف للسامع ليستدرك قبل فوت الاستدراك.
  وتدل أنهم كانوا لم يعرفوا التوحيد والعدل؛ لذلك تلهفوا حين علموا ذلك ضرورة.
  وتدل على تسلية للنبي ÷ والمؤمنين، كأنه قيل: لا يهمنكم أمرهم وتكذيبهم، فسترى القوم مسودة وجوههم، ومن اتبعك في أعظم النعم.
  وتدل على قبح السخرية، وأنه إذا كان بالدِّينِ والنبي والكتاب يكون كفرًا.
  ويدل قوله: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} أنه أزاح علة العبد، وأُتِيَ في نزول العذاب به مِنْ قِبَلِ نفسه.
  وتدل على عظيم درجة الكذب على الله وأنه يبلغ الكفر.
  وتدل أن المؤمن لا يلحقه مكروه وحزن، خلاف قول بعضهم.
  فأما دلالات الآية على الْمُجْبِرَة وما قبلها وما بعدها في المخلوق والاستطاعة والإرادة فمن وجوه كثيرة، وتفصيلها يطول، وجملتها دلالة قوله: «لا تسرفوا»، ولا يقال: أسرف إلا وله فعل وهو يقدر على تركه.