التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل 11 ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير 12 هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب 13 فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون 14 رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق 15 يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار 16}

صفحة 6114 - الجزء 8

  والمظلوم والخصوم، عن ميمون بن مهران. وقيل: يلتقي كل عابد مع معبوده، وقيل: يلتقي الملائكة والإنس، وقيل: يلتقي المؤمن مع البشارة والإكرام، والكافر مع الهوان والعذاب، وقيل: يلتقي كل واحد مع قرينه، وقيل: الكل مراد؛ لأن الالتقاء يحصل في جميع ذلك «يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ» قيل: يصيرون ظاهرين للخروج من القبور ولا يستترون بشيء، وقيل: يبرز بعضهم لبعض، فلا يخفى [عن] أحد حال آخر؛ لأنه يكشف ما كان مستورًا «لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ» من أعمالهم وأحوالهم، سِرِّهم وجهرهم، وفعل: لا يخفى عليه من أحوالهم شيء؛ لذلك صح أن يجمع أجزاءهم ويحييهم. وقيل: لا يخفى عليه أحد؛ بل يحييهم جميعًا، ويبعثهم، عن أبي علي.

  ومتى قيل: لم قال: «منهم» وهو لا يخفى عليه شيء منهم ومن غيرهم؟

  قلنا: فيه وجهان:

  أولهما: أن (مِنْ) للتبيين، لا للتخصيص.

  وثانيهما: يعني: يجازيهم، ولا يخفى عليه شيء منهم، فخص لتخصيص الجزاء.

  «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ» يعني: يوم القيامة يقول ذلك عند الجزاء، وقيل: يقولها بعد فناء الخلق، وهذا غير صحيح؛ لأنه ليس ثَمَّ مُخَاطَبٌ فيكون لغوًا، ولأنه قال:

  {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} ثم قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ} فما قالوه خلاف الظاهر.

  ومتى قيل: لم قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وهو مالك في الدنيا والآخرة؟

  قيل: لأنه [في الدنيا] يملك غيره، وثَمَّ لا حكم لأحد.

  ومتى قيل: أليس ثَمَّ مَلَّكَ الأنبياء والمؤمنين الملك العظيم؟

  قلنا: المراد يوم القيامة قبل تمليك أهل الجنة، ولأنه لا يستحق إطلاق اسم ملك إلا له؛ لأنهم مملوكون.