التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب 28 ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد 29 وقال الذي آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب 30 مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد 31 وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد 32 يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد 33}

صفحة 6126 - الجزء 8

  فذكر البعض وأراد الكل، وقيل: يصبكم بعض الذي يعدكم؛ لأنه يكفي ذلك لكم، وقيل: بعضه في الدنيا، وقيل: كان يتوعدهم أمورًا مختلفة؛ لكونهم على أصناف من المعاصي، وقيل: ذكر البعض؛ لأنه ألطف كلام يتكلم به في مجالس الملوك «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي» قيل: إلى الجنة، وقيل: إلى خير. واختلفوا قيل: هو من كلام المؤمن، وقيل: بل من كلامه تعالى بعد تمام كلام المؤمن، عن أبي علي. «مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ» قيل: مجاوز للحد في العصيان، وقيل: مشرك، وقيل: قَتَّال، عن السدي. «كَذَّابٌ» على الله تعالى، «يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ» غالبين على بني إسرائيل «فِي الأَرْضِ» قيل: أرض مصر «فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ» من عذابه «إِنْ جَاءَنَا» قيل: راعى حرمتهم، وحفظ الأدب، فقال: لكم الملك، ثم قال في العذاب:

  إن جاءنا، أضاف الملك إليهم والعذاب إلى نفسه، وهذا من ألطف الكلام فـ «قَالَ فِرْعَوْنُ» في جوابه: «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى» أي: ما أريكم من النصيحة إلا ما أرى ذلك بنفسي. وقيل: ما أعلمكم إلا ما أعلم، عن الضحاك؛ كقوله: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}⁣[النساء: ١٠٥] وقيل: ما أريكم من قبل موسى إلا الصواب، أي: الصواب الذي أردكم في قتله فيه الخلاص عن موسى «وَمَا أَهْدِيكُمْ» أدلكم «أِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» فأوهم أنه يدلهم على طريق خير «وَقَال الَّذِي آمَنَ» قيل: هو مؤمن آل فرعون؛ لأنه نسق الكلام، عن أكثر المفسرين، وهو الصحيح. وقيل: بل هو موسى؛ لأن الأول كان يكتم إيمانه، عن أبي علي، وليس بالظاهر؛ لأنه لا يجوز أن يذكر على وجه النصيحة، كقوله: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا}، ويجوز أنه أظهر الإيمان بعد ما كان يكتمه «إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ» قيل: لما رأى إصرار فرعون وقومه حذرهم أن ينزل بهم ما نزل بالأمم. والأحزاب: الجماعات، وأراد الأمم التي أهلكوا. وقيل: حذرهم