التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حم 1 تنزيل من الرحمن الرحيم 2 كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون 3 بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون 4 وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون 5 قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين 6 الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 7 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون 8}

صفحة 6167 - الجزء 9

  نصب على المدح، وقيل: نصب على الحال، عن الزجاج، وقيل: نصب بإضمارِ فِعْلٍ، أي: أنزلنا، وقيل: بإعادة الفعل، تقديره: فصلنا، وقيل: نصب على القطع.

  ونصب {عَرَبِيًّا}؛ لأنه نعتٌ للقرآن. {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} صفتان للقرآن، وقيل: نصب على المدح، وقيل: على التمييز، وقيل: على الحال، وقيل: عطفًا على ما تقدم.

  و (ما) في قوله: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ} (ما) الكافة، تقطع عمل (إنَّ)، فيصير ما بعده ابتداء وخبرًا.

  · النزول: قيل: نزلت الآية في أبي جهل وعتبة وشيبة ومشركي مكة لما أعرضوا عن القرآن.

  وقيل: نزل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} في المرضى والزَّمْنَى والهَرْمَى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون فيه.

  · المعنى: {حم} قد تقدم القول فيه في (حم المؤمن)، وَبيَّنَّا من قبل أن أحسن ما قيل فيه قول الحسن: إنه اسم السورة، وقول ابن عباس: إنه افتتاح أسماء الله تعالى، وقول أبي مسلم: إنه إشارة إلى أن هذا القرآن من هذه الحروف، وأنتم تتكلمون بها، ولا تقدورن على مثل القرآن، فاعلموا أنه معجزة، وأنه كلام رب العزة «تَنزِيلٌ» يعني هذه السورة تنزيل «مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».

  ثم فسره، فقال: «كِتَابٌ» إلى المكلفين، وسمي كتابًا؛ لأنه يُكْتَبُ «فُصِّلَتْ آيَاتُهُ» أي: بُيِّنَتْ آياته بيانًا تامًا، ففصل بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، والحلال والحرام، والمواعظ والأمثال، وقيل: المفصل المنظوم على أحسن النظام، وأوضح البيان، فقيل: فصل بعضها من بعض، حتى يستدل بكل واحد منها على ما يدل عليه من معالم دينه، عن أبي علي. «عَرَبِيًّا» أي: بلغة العرب «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا» أي: يبشر المؤمن بما فيه من الوعد، وينذر الكافر بما فيه من الوعيد، والله - تعالى - يبشر بما في