قوله تعالى: {حم 1 تنزيل من الرحمن الرحيم 2 كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون 3 بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون 4 وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون 5 قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين 6 الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 7 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون 8}
  القرآن، ولكن لما كان البشارة فيه أضافه إليه توسعًا {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} عن القرآن، فلم يفهموه، ولم ينتفعوا به، {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} أي: في أغطية، عن مجاهد، والسدي. {مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ} فلا نفقه ما تقول «وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ» أي: صمم، فلا تسمع ما تقول، وإنما قالوه لِيُؤيُسُوهُ عن قبول ما أتى به {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} أي: خلاف في الدين، فجعل خلافهم ذلك ساترًا وحاجزًا لا يرى بعضهم بعضًا لأجله، وقيل: ليس بيننا مقاربة بوجه، بمنزلة مَنْ بينهما حجاب «فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ» قيل: اعمل بما يقتضيه دينك، «إِنَّنَا عَامِلُونَ» أي: إنا نعمل بما يقتضيه ديننا، وقيل: اعبد إلهك، فإنا عابدون آلهتنا، عن مقاتل، وقيل: أراد أنا لا نفهم ما تقول، فاعمل ما شئت، فإنا نعمل ما نحن عليه، وهذا غاية العناد والتعصب، وقيل: اعمل في إساءتنا ما تقدر عليه، فإنا لا نجيبك؛ بل نعمل ما نحن عليه، فاقطع الطمع في إجابتنا «قُلْ» يا محمد «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» قيل: أراد بذلك استعطافهم بأنه من جنسهم لا يدعي درجة لا يستحقها إلا أنه يوحى إليه، قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع، فقاله تواضعًا، وقيل: أراد أنه وإن كان بشرً فهو رسول يوحى إليه، فالكفر به كُفْرٌ بِاللَّهِ، وقيل: هو جواب لقولهم:
  اعمل؛ أي: ليس ذلك إليَّ، فإنما أنا بشر، وقيل: أراد أنه لم يخالفهم في البشرية، وإنما خالفهم في الدين لأنه أوحى إليه، وقيل: أخبر أنه بشر مثلهم يؤمر كما يؤمرون، ويُنْهَى كما ينهون، وقيل: أراد أن كفرهم لو كان به وحده لكان يخف ويسهل لأنه بشر مثلهم لا يقدر على تعذيبهم؛ لكن كفرهم به كُفْرُ باللَّه الذي هو خالقهم، ويقدر على عقابهم، عن أبي مسلم. {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} قيل: اعدلوا عن عبادة غيره، واجعلوا قصدكم إليه، كقولك: استقم على الطريق، ولا تذهب يمينًا وشمالاً، وقيل: (إليه) بمعنى (له) أي: استقيموا له في المستقبل، يعني على طاعته، وقيل: استقيموا على ما سَنَّهُ لكم «وَاسْتَغْفِرُوهُ» بأن اطلبوا منه المغفرة من ذنوبكم؛