قوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون 189}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى شريعة أخرى تتضمن ذكر نعمة عظيمة فقال: «يَسْأَلُونَكَ» يا محمد «عَنِ الأَهِلَّةِ» تزيد وتنقص «قُلْ هِيَ» يعني الأهلة «مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ» أي وقت لهم في أمور دينهم ودنياهم «وَالْحَجّ» وقت الحج، وأفعاله «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا» فيه قولان: قيل: كان المحرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها، ولكن من ظهورها، ونقبوا من ظهورها يدخلون ويخرجون فَنُهُوا عن ذلك، عن ابن عباس والبراء وقتادة وعطاء وجماعة من أهل التفسير. وقيل: إلا الحُمْس هم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وجشم وبنو عامر بنُ صعصعة وبنو نصر بن معاوية سُمُّوا حمسًا؛ لتشددهم في دينهم، والحماسة: الشدة، فكانوا لا يفعلون ذلك. وقيل: بل كانت الحمس تفعل ذلك، عن الأصم وغيره. وقال الزهري: كان ناس من الأنصار إذا أحرموا بالعمرة لم يَحُلْ بينهم وبين السماء شيء، ولا يدخلون من الباب، فنهوا عن ذلك.
  الثاني: أنه مثل ضربه اللَّه تعالى يعني ائتوا البر من وجهه، وعلى ما أمر اللَّه تعالى به، عن أبي علي. وقيل: أراد ما كان يفعله العرب من النسيء فنهوا عن ذلك، عن أبي مسلم «وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى» المعاصي «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا» وقد بَيَّنَّا معنى ذلك «وَاتَّقُوا اللَّهَ» يعني اتقوا معاصيه «لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ» أي لتفلحوا بأن تنالوا النعمة برضاه.
  · النظم: ويقال: كيف يتصل قوله: «ليس البر» بما قبله؟
  قلنا: فيه قولان:
  الأول: ليس البر السؤال عن الأهلة، ولا أن تفعلوا هذه الأفاعيل، ولكن البر اتباع أمر اللَّه، واتقاء معاصيه.
  الثاني: المراد به النسيء، عن أبي مسلم.