التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض 51 قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد 52 سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد 53 ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط 54}

صفحة 6213 - الجزء 9

  مصيبة ضجروا، وإذا نالتهم نعمة بطروا، والدعاء العريض: الكبير، عن السدي، وذكر العَرْضَ فيه مبالغة؛ لأن العَرْضَ يدل على الطول، والطول لا يدل على العرض؛ إذ يصح طول بغير عرض ولا يصح عرض لا طول له «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ «أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ» هذا القرآن «مِنْ عِنْدِ اللهِ»، وقيل: إن كان هذا الإنعام من عند الله، وقيل: أنما توعدون من البعث والجزاء من قوله ووعده «ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ» وكذبتم، وهذا احتجاج عليهم في شكهم فيما في القرآن من الوعد والوعيد، وبنعمه عليهم، ولم يقوموا بحقه «مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ» أي: عصيان ومفارقة عن الحق، أي: من أضل منكم، ومن أشد معصية «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ» البلايا والأمراض، عن ابن عباس، وقيل: {فِي الْآفَاقِ} الفتوح لمحمد صلى الله عليه وأمته {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} فتح مكة، عن السدي، وقيل: {فِي الْآفَاقِ} وقائع الله في الأمم، {وَفِيَ أَنفُسِهِم} يوم بدر، عن قتادة، وقيل: {فِي الْآفَاقِ} أقطار الأرض والسماء من الشمس والقمر، والنجوم، والنبات، والأشجار، والأنهار، والبحار، والجبال، وما فيها من الأمطار {وَفِيَ أَنفُسِهِم} من لطيف الصنعة، وبديع الحكمة، وتركيب آلات الغذاء، والأعضاء، والجوارح، ومجاري الدم، والحواس، وآلات النطق، عن عطاء، وابن زيد، وقيل: {فِي الْآفَاقِ} ما يظهر من أنواع العبر، وتغيير الأحوال، {وَفِيَ أَنفُسِهِم} تغير الأحوال من لدن كونه نطفة إلى أن يصير شيخًا، وقيل: {فِي الْآفَاقِ} ما كان النبي يخبرهم به من الحوادث، فيرون مصداق ذلك، {وَفِيَ أَنفُسِهِم} ما كان بمكة من انشقاق القمر. «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» أي: يظهر لهم أنه الحق، قيل: التوحيد حق، وقيل: إخبارك حق، وقيل: الإسلام حق، وقيل: محمد حق، وقيل: القرآن حق «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» قيل: هو وعد