التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد 16 الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب 17 يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد 18 الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز 19 من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب 20}

صفحة 6234 - الجزء 9

  · المعنى: لما تقدم ظهور الحجة وانقطاع المحاجة، عقبه بذكر من يحاج بالباطل، فقال - سبحانه -: «وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ» أي: يجادلون ويخاصمون «فِي اللهِ» قيل: في دينه، وقيل: في توحيده «مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ» قيل: من بعد ما استجاب له الناس، ودخلوا في دينه؛ لظهور المعجزة، وقيام الحجة؛ لأنهم بعد ذلك في حكم المعاند، عن الحسن، وقيل: من بعد ما استجيب دعاؤه، لمحمد ÷ في إظهار المعجزات التي أجاب الله دعاءه في إظهارها، ووجوب الانقياد له، وقيل: أراد بالاستجابة ظهور الحجة عليه من طريق الدلالة، فإن الخلق كلهم مستجيبون له طوعًا أو كرهًا، فمن عرف الحق أجاب طوعًا، ومن عاند أو جهل كانت نفسه كالمجيب إلى أنه عَبْدٌ مربوب، فإذا جحد فهو كالمكذب نفسه، عن أبي مسلم، وقيل: من بعد ما رأى الكفار إجابة الله دعاءه ودعاء المستضعفين، فنجوا من أذى المشركين، عن أبي علي، وقيل: المراد اليهود والنصارى، كفروا بمحمد بعد أن كانوا مؤمنين، فلما بعث جحدوا. «حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ» قيل: باطلة زائلة «عِنْدَ رَبِّهِمْ» وإنما سماها حجة وهي في الحقيقة شبهة؛ لاعتقادهم أنها حجة، ولما قال: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} زال الشبهة أنها ليست بحجة {وَعَلَيهِمْ غَضَبٌ} يعني إرادة عذاب من الله «وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ. اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ» يعني القرآن «بِالْحَقِّ» قيل: ما فيه حق لا خلف فيه ولا كذب، وقيل: أراد بإنزاله بالحق، وهو العمل بما فيه، والاعتقاد لصحته، ولم يرد الباطل به، عن أبي علي، وقيل: أنزله للحق؛ لأن يقام به الحق، وقيل: أنزله بالإخبار عما كان ويكون بالحق والصدق «وَالْمِيزَانَ» قيل: هو ما أمر به من العدل، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبي مسلم، وجماعة، وقيل: أنزل نفس الميزان الذي يوزن به، عن أبي علي، وجماعة؛ ليتوصل الناس إلى الإيفاء والاستيفاء بالحق، ثم اختلفوا فقيل: أنزله من السماء، عن أبي علي، وقيل: إنزاله: خَلْقُهُ، كقوله: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ}⁣[الحديد: ٢٥]، وقيل: الواو للصفة تقديره: وأنزلنا الكتاب الميزان، وقيل: الميزان محمد ÷ يقضي بينهم بالكتاب، عن علقمة، وهذا تشبيه وتوسُّعٌ، وقيل: