التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم 21 ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير 22 ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور 23 أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور 24 وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون 25}

صفحة 6241 - الجزء 9

  وينجي المؤمنين، وقيل: لولا أنه أخبر أنه لا يعذب هذه الأمة بالاستئصال، ويؤخرهم إلى يوم القيامة، لسلك بهم سبيل الأمم الماضية، وتلك الكلمة قولمه: {بَلِ السَّاعَةُ مَوعِدُهُمْ}⁣[القمر: ٤٦]، «وَإنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» مؤلم موجع «تَرَى الظَّالِمِينَ» قيل: أراد الكفار، وقيل: أراد كل ظالم باعتقاد أو معصية «مُشْفِقِينَ» خائفين «مِمَّا كسَبُوا» أي: من سوء صنيعهم، يخافون جزاءه، وذلك الخوف لا يغنيهم «وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ» يعني ما استحقوا من العذاب نازل بهم يوم القيامة لا محالة، وإنما عظم خوفهم لعلمهم بعظم ما أتوا وعظم جزائه «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» يعني وترى هَؤُلَاءِ «فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ» قيل: في الجنان ما يكون أبهى منظرًا، وأحسن وأطيب، وقيل: الجنة اسم الجميع، والرياض اسم لمواضع مخصوصة، وقيل: هو صفة لجميعها «لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ» يعني لا يحتاجون إلى كَدٍّ وتعب، فما يشاءون مُعَدٌّلهم عند الله لا يحتاجون إلى غيره، وإنما أضاف إلى مشيئتهم؛ لأنهم لا يشاءون إلا الحَسَنَ، وقيل: المؤمن يترك بعض شهواته لله، فيعطيه الله جميع شهواته و «ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكبِيرُ» قيل: ذلك الثواب فضل عظيم من الله على المؤمن؛ لأنه عرضه لذلك وكلّفه، وأعطى على قليل الطاعة كثير الجزاء والثواب، وقيل: ذلك فضل عظيم بين الكافر والمؤمن؛ لأن أحدهما في الجنة والآخر في النار، و «ذَلِكَ» يعني ما ذكرت من نعيم الجنة، وقيل: الفضل الكبير «الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، فإنهم المستحقون له، فيبشرون به، «قُلْ» يا محمد «لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ» أي: على ما أدعوكم إليه، وأُبَلِّغُ من الرسالة، وأُبيِّنُ من الشرائع «أَجْرًا» أي: جزاء «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قيل: إلا أن تودوا لله، وتتقربوا إليه بطاعته، روى