التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد 26 ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير 27 وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد 28 ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير 29 وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير 30 وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير 31}

صفحة 6249 - الجزء 9

  طاعتهم، ويعطيهم ما يستحقون في الآخرة «وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» قيل: يشفعهم في إخوانهم، عن ابن عباس.

  والثاني: أن الفعل للذين آمنوا، ثم اختلفوا، فقيل: ويجيب المؤمنون ربهم فيما دعاهم إليه، وقيل: يطيعونه فيما أمرهم به، عن ابن عباس، فالاستجابة الطاعة «وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ» أي: دائم عظيم.

  ولما بَيَّنَ أنه يجيب دعاءهم بيّن أنه إنما يجيب إذا كان لمصلحة، فقال - سبحانه -: «وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ» قيل: لو وسع عليهم بَرِّهِمِ وفاجرهم، وقيل: لو بسط بحسب ما يطلبونه ويتمنونه، «لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ» أي: يرتفع كل أحد من درجته فيبغي بعضهم على بعض بفضل سعته وقوته؛ ولكنه يعلم الصلاح وينزل بقدر الصلاح، وقيل: لعصوا الله، وقيل: بَغْيُهُمْ: طلبهم منزلة بعد منزلة، ودابة بعد دابة، ومركبًا بعد مركب، وملبسًا بعد ملبس، عن ابن عباس، وقيل: لو رزق العباد من غير كسب، وتفرغوا عن الكسب والمعاش لطغوا، وسعوا في الأرض فسادًا، ولكن شغلهم بالكسب رحمة منه وإنعامًا، عن شقيق. «وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ» قيل: بقدر منهم، عن قتادة، يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك، بقدر كفايتهم، قيل: بقدر صلاحهم، وقيل: يجعل واحدًا غنيًّا وواحدًا فقيرًا، بحسب المصلحة.

  ومتى قيل: كيف تكون المصلحة في الحرمان؟

  قلنا: إذا علم من حالة الفقير أنه إذا استغنى بطر وكفر، فصلاحه في التضييق، وكانت العرب إذا أخصبوا شنوا المغازي وقاتلوا؛ ولهذا ترى الظلم من الأغنياء والملوك أكثر منه في الفقراء. وقد روى أنس عن النبي ÷ عن جبريل عن الله في حديث طويل: «إن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم، ولو صححته لأفسده، وإن