التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد 26 ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير 27 وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد 28 ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير 29 وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير 30 وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير 31}

صفحة 6251 - الجزء 9

  ومتى قيل: أليس وسمع على سليمان وكثير من الأنبياء، ولم يوجد منهم بغي؟

  قلنا: علم من حالهم أن البسط أصلح لهم، وفي الآية لو فعل بجميعهم لبغوا، وليس فيه ذكر آحادهم، فالله أعلم بحال آحادهم؛ بل يرزقهم بحسب مصالحهم، وقد روي أن سليمان كان يعيش من نسج الزِّنْبِيل مع عظم محله.

  ومتى قيل: فأهل الآخرة يجب أن يكونوا كذلك؟

  قلنا: هم ملجؤون إلى ترك القبيح، ولأنهم أُعْطُوا جميع ما تمنوا، وما مُنِعُوا لا يتمنونه، فلا يوجد منهم بغي.

  «إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ» أي: عالم بأحوالهم، ويعطيهم بحسب مصالحهم.

  ثم بيّن أن المنع ليس لِبُخْلٍ، وذلك لحسن نظره لهم، فقال - سبحانه -: «وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا» أي: ينزل المطر بعد يأسهم «وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ» أي: يبسطها لجميع خلقه، وهو بسط الرزق عليهم أجمع «وَهُوَ الْوَلِيُّ» قيل: الذي يتولى تدبير عباده، وتقدير أمورهم، وما يصلحهم، وقيل: الولي المالك للعباد، وقيل: الولي الناصر، أي: ناصر المؤمنين «الْحَمِيدُ» المحمود في جميع أفعاله؛ لأن جميع ذلك حسن وهو لا يفعل القبيح. «وَمِنْ آيَاتِهِ» أي: حججه الدالة على توحيده «خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» إحداثهما مقدرًا كما شاء «وَمَا بَثَّ» فرق «فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ» وهو ما يدب من الحيوانات «وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ» يوم الحشر متى شاء قدير، وقيل: قال: «جمعهم» ولم يقل: جمعها؛ لأنه أراد العقلاء، وقيل: غلب لفظ الذكور على لفظ الإناث عند الاجتماع «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» من الإجرام،