التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد 26 ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير 27 وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد 28 ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير 29 وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير 30 وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير 31}

صفحة 6252 - الجزء 9

  واختلفوا في هذه المصائبْ، ققيل: القحط والمرض وما أشبهه، وقيل: ما يصيب الكفار من الحروب من المسلمين، وقيل: العقوبات، وقيل: الحروب، عن الحسن، وقيل: هو عام في كل المصائب، عن قتادة، وشريح، وابن سيرين، قالوا: ما يصيب من مصيبة إلا بذنب، وعن عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدًا إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها، ودرجة لم يكن ليبلغها إلا بها، وهذا على ما ذكرنا أنها كفارات. وقيل: المصائب يجوز أن تكون عقوبة الدنيا كالحدود، وقيل: بل هي محنة؛ ولذلك امتحن الأنبياء بالمصائب ولم تكن عقوبة.

  ومتى قيل: فلماذا علقها بفعل العبد؟

  قلنا: يجوز أن يكون تأديبًا وامتحانًا للأنبياء بالمصائب، ولم تكن عقوبة كإخراج آدم من الجنة، وكقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ}⁣[النساء: ١٦٠] ويجوز أن تكون المصلحة في فعله عقيب إجرامهم.

  ومتى قيل: أليس روي عن النبي ÷ أنه قال: «لا يصيب ابن آدم خدش عود [ولا اختلاق عرقٍ، ولا نكبة حجرٍ ولا عثرة قدم]، ولا غير ذلك إلا بذنب»؟

  قلنا: إن صح الخبر فالمراد به يمتحنه عند ذلك، ويكون تكفيرًا لا أنه عقوبة.

  ومتى قيل: فما الفائدة في هذه المصائب؟

  قلنا: فيه لطف من وجوه:

  منها: التنبيه على العقوبة؛ لأنه إذا عجز عن تحمل هذه المشقة فكيف يتحمل عقوبتها.

  ومنها: أنه يدعو إلى التوبة والإنابة.