التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد 26 ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير 27 وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد 28 ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير 29 وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير 30 وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير 31}

صفحة 6255 - الجزء 9

  وثانيهما: أن اللطف إنما يصح إذا قدر العبد على الفعلين، فأما إذا لم يقدر إلا على شيء بعينه، فما معنى اللطف وسعة الرزق وضيقه؟.

  وأما دلالته على الإرادة، فيدل أنه لم يُرِدِ البغي ممن المعلوم منه البغي؛ إذ لو أراد ذلك - كقول الْمُجْبِرَةِ - لما جاز أن يقول: لم أبسط الرزق لكيلا يفعل البغي.

  وتدل على أنه لا يفعل البغي؛ لأنه تنزه على فعل ما يقع عنده البغي، فَلَأَنْ ينزهه عن فعل البغي أولى.

  وتدل على أن بسط الرزق يكون مفسدة.

  ويدل قوله: {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} على عموم رحمته وكمال قدرته، حيث هيأ لكل أحد ما يصلحه في كل بلد، وذلك من لطيف تدبيره الذي لا يقدر عليه سواه.

  ويدل قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ} على توحيده وصفاته، وقد بَيَّنَّا ما يدل من السماوات من خلقها، ثم تزيينها، ثم تسكينها، ثم إمساكها على غير عرش، وفي الأرض من خلقها والجبال والنبات والثمار والأنهار وغير ذلك، ومنها: أن فعله يدل على صفاته إما بنفسه ككونه قادرًا، أو بواسطة ككونه حيًّا سميعًا بَصِيرا.

  ويدل قوله: {إِذَا يَشَاءُ} على حدوث المشيئة لدخول علامة الاستقبال، فيبطل قول من قال: إنها صفة ذات، والمشيئة ترجع إلى الجميع، فتدل أنه المختص بالقدرة على الإعادة.

  ويدل قوله: {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} أن في السماء دواب، فإما أن يحمل على أصل اللغة على ما يدب، أو على ما يعرف، ولا مانع منه أيضا.