التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل 44 وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم 45 وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل 46 استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير 47}

صفحة 6268 - الجزء 9

  وإنما ينظر ببعضها إلى النار لعظم ما فيها من العذاب والأهوال، وقيل: ينظرون إلى النار بقلوبهم؛ لأنهم يحشرون عميًا، والنظر بالقلب خفي، وقيل: إذا برزت النار غضوا أبصارهم خوفًا منها «وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا» لما رأوا عظيم ما نزل بالظالمين «إِنَّ

  الْخَاسِرِينَ» في الحقيقة؛ لأن رأس المال هو النفس، فإذا أوبقها فلا خسران أعظم منه «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ» بأن فوتوها الانتفاع ونعيم الجنة، وأهلكوها بالعذاب، «وَأَهْلِيهِمْ» قيل: أزواجه، وأولاده، وأقاربه، لا ينتفع بهم، وقيل: أهله من الحور العين، وقيل: أهليهم من الجنة لو آمنوا لكان ذلك لهم «أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ» دائم، وقيل: هذا تمام كلام المؤمنين، وقيل: بل هو خبر مبتدأ من الله تعالى في عذاب الظلمة، «وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: لا ولي لهم، ولا ناصر يتولى تخليصهم من العذاب «وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ» قيل: هذا جواب قولهم: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} يعني من أهلكه الله فما له من طريق إلى النجاة، وقيل: من أبعده الله من الجنة ما يرشده أحد إليها، وقيل: ما له من سبيل، أي: انسدت عليه طريق الخير.

  ولما آيسهم من طرق النجاة في الآخرة بَيَّنَ أن لهم طريقًا إلى النجاة ليسلكوها، فقال سبحانه: «اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ» أي: أجيبوا فيما يدعوكم إليه من الإيمان «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ» يعني بادروا إلى الطاعة قبل فوت سبب الخلاص، وقيل: هو يوم القيامة، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقيل: يوم الموت يجيء لا يرد ولا يؤخر عن وقته، عن أبي مسلم، «لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ» أي: لا يقدر أحد على رده، عن أبي علي، وقيل: لا يرجع فيه بعد ما حكم به، عن الحسن. «مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ» قيل: معقل يعصمهم من العذاب، وقيل: لا يجد من يخلصه «وَمَا لَكمْ مِنْ نَكِيرٍ» قيل: من ناصر ينكر ما يحل بكم، وقيل: من مخلِّص لما نزل بهم.