قوله تعالى: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور 48 لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور 49 أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير 50 وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم 51 وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم 52 صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور 53}
  وقيل: هذا القرآن، عن مالك بن دينار، وأبي علي، وأبي مسلم، وسمي روحًا؛ لأن به حياة الدين، كما أن النفس تحيا بالروح، عن أبي علي، وقيل: لأنه كلام، والكلام تأليف الحروف من الأصوات، وهي تقطيع الهواء وحركته، وحركة الهواء هي الروح، والريح والروح سواء، عن أبي مسلم، والأول أولى؛ لأنه لو كان كما قال لما اختص به القرآن «مِنْ أَمْرِنَا» قيل: معناه أَمَرْناه أن يكون فكان، وهو تَوَسُّعٌ؛ يعني كوناه كما شئنا، وقيل: مِنْ فعلنا، وقيل: الوحي إليك كان بأمرنا «مَا كُنْتَ تَدْرِي» يا محمد «مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ» قيل: ما كنت تعلم أن الكتاب يأتيك، وما كنت تعلم الإيمان بالكتاب، فَعَدَّ نِعَمَهُ عليه، وقيل: ما كنت تدري ما الكتاب قبل البعثة، ولا الإيمان قبل البلوغ، قيل: ولا تجد الإيمان يعني شرائع الإيمان ومعالمه، وقيل: الدعوة إلى الإيمان، عن أبي العالية، وقيل: أهل الإيمان من يؤمن ومن لايؤمن، وقيل: أراد بالإيمان الصلاة، كقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣]
  «وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا» قيل: جعلنا القرآن نورًا، عن السدي؛ لأن فيه معالم الدين، وقيل: جعلنا الإيمان، عن ابن عباس؛ لأنه طريق النجاة، «نورًا»: سمي الكتاب والإيمان نورًا توسُّعًا؛ لأن الإنسان به يصل إلى الخيرات، كما يصل بالأنوار إلى أموره «نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا» قيل: نرشده إلى الجنة بأن آمن به، وقيل: نهدي به من نشاء، وهم المكلفون؛ لأن من ليس بمكلف لا يهتدي «وَإنَّكَ لَتَهْدِي» أي: لترشد فتدعو «إِلَى صِرَاطٍ» طريق «مُسْتَقِيمٍ» قيل: هو القرآن، وقيل: الإسلام، والمستقيم الذي تستمر صحته ولا يتناقض «صِرَاطِ اللَّهِ» قيل: دين الله، وقيل: طريق ثوابه وجنته «الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» يعني الذي يجوز أن يَأْمُرَ ويكلف من لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ «أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» أي إلى حكمه، فيقدر فيها كما يشاء.