التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حم 1 والكتاب المبين 2 إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون 3 وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم 4 أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين 5 وكم أرسلنا من نبي في الأولين 6 وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون 7 فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين 8 ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم 9 الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون 10}

صفحة 6280 - الجزء 9

  حقيقة، وهذا تَوَسُّعٌ ومجاز، ولأنه لو لم يسمه عربيًّا لما خرج من كونه عربيًّا «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» أي: لتعلموا ذلك، وقيل: يتلوه النبي ÷ رجاء استماع وقبول منكم، عن أبي مسلم «وَإِنَّهُ» يعني القرآن «فِي أُمِّ الْكِتَابِ» في اللوح المحفوظ، وإنما سمي أُمًّا؛ لأن سائر الكتب تنسخ منه، وقيل: لأنه أصل الكتاب وجملته، عن قتادة، وقيل: أم الكتاب: الآيات المحكمة، والمراد به نفس الكتاب، إنه محكم منزل بالحكمة، عن أبي مسلم، وقيل: الكتاب: الإيجاب، يعني حين أوجب إنزال الكتب على الأنبياء أوجب أن يكون هذا الكتاب عليًا، عن أبي مسلم. «لَدَيْنَا» عندنا، يحتمل أن يريد اللوح المحفوظ، ويحتمل القرآن، والإضافة للتشريف والتخصيص «لَعَلِيٌّ» يعني القرآن علا، قيل: يعلو كُلَّ كتاب؛ بما خصه من كونه معجزًا، وآخر الكتب، ووجوب إدامة العمل به، وما فيه من أنواع الفوائد، وقيل: عَلِيٌّ، أي: عظيم الشأن، رفيع الدرجة، تعظِّمه الملائكة والمؤمنون «حَكيمٌ» دلالة على كل حق وصواب، فهو بمنزلة الحكيم الذي لا ينطق إلا بالحق، والصفتان في القرآن توسُّعٌ؛ لأن حقيقة العلي القاهر الغالب، وحقيقة الحكيم العالم، وكلاهما من صفة الحي «أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا» اختلفوا في معناه، قيل: معناه أنعرض عنكم، ولا ندعوكم؛ لإسرافكم وترككم القبول، فَلَفْظُهُ للاستفهام والمراد به الخبر، أي: لم يكن إسرافكم موجبًا أن نضرب عن تذكيركم صفحًا، ولا ننزل القرآن ونترككم من أجل كفركم؛ بل لرحمته يتابع الحجج، فيتابع البيان، ولا يخليهم عن الإنذار حجة عليهم، عن قتادة، وابن زيد، وأبي مسلم، وقيل: هو وعيد، يعني إسرافكم لا يمنع من مؤاخذتكم إذا أعرضتم عن الذكر الذي هو القرآن، وتقديره: أنعرض عنكم ونترككم، فلا نعاقبكم؟ فالألف استفهام، والمراد الإنكار، عن مجاهد، والسدي، قال