قوله تعالى: {حم 1 والكتاب المبين 2 إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون 3 وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم 4 أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين 5 وكم أرسلنا من نبي في الأولين 6 وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون 7 فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين 8 ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم 9 الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون 10}
  ابن عباس: معناه: أفحسبتم أن نصفح عنكم، ولم تفعلوا ما أمرتم؟ وقيل: أنترككم ما نأمركم ولا ننهاكم؟ عن الكلبي، وقيل: أنطوي عنكم الذكر طيًّا، فلا تدعون، ولا توعظون؟ عن الكسائي. وهذا من فصيح الكلام، ولم يفصلوا.
  قال شيخنا أبو علي |: هذا الكلام يحتمل معنيين:
  الأول: الرحمة، يعني: لا نترككم وسوءَ اختياركم، ولا نقابل بالإعراض إعراضًا؛ بل نذكِّركم ونعظكم، وندعوكم، لا ننظر إلى إسرافكم؛ لكن رحمة منا فعلنا ذلك.
  والثاني: المبالغة في التغليظ، يعني: أتظنون إن كنتم سادة ورؤساء تُتْركون وما تفعلون؟ كلا، بل نلزمكم العمل، وندعوكم إلى الدين، ونؤاخذكم متى أخللتم بالواجب، أو أقدمتم على القبيح.
  «أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ» قيل: مجاوزين الحد في المعصية، وقيل: مشركين، والأول أوجه؛ لعموم اللفظ.
  ثم أكد الوعيد، فقال - سبحانه -: «وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ» يعني الأمم الماضية، «وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ» برسولهم «يَسْتَهْزِئُونَ» استهزاءَ قَوْمِكَ بك، وقيل: لما استهزؤوا أُخذوا بعذاب الاستئصال، كذلك أنتم تؤخذون إن فعلتم مثل ذلك، وقيل: مع استهزائهم لم نضرب عنهم صفحًا؛ بل كررنا الوعظ، وأعدنا الرسل، «فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا» قيل: أشد قوة من قومك، عن الحسن، يعني أهلكنا مِنْ أولئك الأمم بأنواع العذاب مَنْ كان أشد من هَؤُلَاءِ قوة ومنعة «وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ» قيل: صفتهم، وقيل: خبرهم، وقيل: أنفسهم وما نالهم من العذاب صار مثلاً لمن بعدهم، وتقدير الكلام - وهو مثل لهَؤُلَاءِ الباقين - إن لم يؤمنوا لكان