التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون 11 والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون 12 لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13 وإنا إلى ربنا لمنقلبون 14 وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين 15}

صفحة 6285 - الجزء 9

  ظهور ما ذكرنا، وقيل: كناية عن المركوب، أي: استووا على المركوب، وقيل: لأنه ذكر الظهور بلفظ الجمع، فاكتفى به عن جمع. الآخر.

  ويقال: لِمَ قال: «ظُهُورِهِ» فَذَكَّرَ، والأنعام جمع؟

  قلنا: على بعض ما ذكرنا لا سؤال، وإن حمل على الأنعام، فإنه يُذَكَّر ويؤنث، وقيل: ردها إلى (ما) في قوله: {مَا تَرْكَبُونَ}.

  «تَذْكُرُوا» نصب؛ لأن المعنى لتستووا ثم لتذكروا، وعلامة النصب ذهاب النون.

  «وتقولوا» معناه: ولتقولوا: سبحان.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ أدلة أخرى مؤكدة لما تقدم، فقال - سبحانه -: «وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ» قيل: من جهة السماء، وإنما هو من السحاب، وقيل: كل ما علاك فهو سماء، وأصله من السمو، قالوا: [كل ما] أنزل من السحاب فهو من السماء، وقيل: من السماء نفسه ينزله إلى الغيم، ثم إلى الأرض، ولا مانع من هذا، وهو الظاهر، فلا معنى لقطع الكلام عن حقيقته «ماءً» يعني المطر «بقدرٍ» يعني مقدار ما يحتاج إليه حتى لو نقص لأخل، ولو زاد لأفسد، فتجري الأنهار على هذا التدبير؛ ليعلم أنه من مدبر حكيم «فَأَنشَرْنَا بِهِ» أي: أحيينا بالمطر، وإخراج النبات «بَلْدَةً مَيتًا» يابسة لم يكن عليها النبات.

  ثم بَيَّنَّ وجه الدلالة على الإعادة، فقال: «كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ» يعني كما أحيا البلدة الميتة بإخراج النبات يحييكم، ويخرجكم من قبوركم؛ لأن كل واحد منهما متعذر إلا على قادر للذات لا يمتنع عليه شيء؛ لأن الإعادة إنما تجوز على أفعاله