قوله تعالى: {والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون 11 والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون 12 لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13 وإنا إلى ربنا لمنقلبون 14 وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين 15}
  الباقية دون أفعال غيره، كما أنه يقدر على إخراج النبات، وهي جواهر وأعراض لا يقدر عليها غيره «وَالَّذِي خَلَقَ الأزوَاجَ كُلَّهَا» يعني أزواج الحيوان ذكرًا وأنثى، وقيل: الأصناف من الحيوانات. وقيل: الأزواج: الشتاء والصيف، والحر والبرد، والليل والنهار، والشمس والقمر، والسماء والأرض، والجنة والنار، عن الحسن، وقيل: أراد الأشياء المتشاكلة، «وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ» أي: السفن «وَالأَنعَامِ» الإبل «مَا تَرْكَبُونَ» فجعل الفلك مركبًا في البحر، والأنعام مركبًا في البر.
  ثم بين الغرض فيه، فقال - سبحانه -: «لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ» أي: لتركبوها، والاستواء إشارة إلى أنه خلق ذلك وذَلَّلَهُ؛ ليستوي الراكب على ظهره، وينتفع بها في البر والبحر، «ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ» عليكم في خلقه وغير ذلك «إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ» استقررتم «وَتَقُولُوا» شاكرين لنعمه «سُبْحَانَ» منزه عن شبه المخلوقين، وفعله عن كل قبيح «الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا» أي: ذلل لنا حتى ركبناه مع عظمه وقوته، «وَمَا كنَّا لَهُ» لولا فضله بتذليله «مُقْرِنِينَ» أي: مطيقين مقاومين في القوة، رابطين له قاهرين، فالفيل مع قوته مُذَلَّلُ للصبي، وكذلك البعير والبقر «وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» هذا من تمام التنزيه أي: من عدله وفضله إعادة الخلق للجزاء، فنحن إليه نصير في المعاد، فسخر لنا هذا لمصالحنا ومنافعنا، ثم يعوضه في الآخرة ما يوفي على ما يلحقه من التعب في الدنيا، وأمرنا بالشكر لنستحق الثواب، لولا ذلك لما جاز التكليف والتسخير؛ لأن جميع ذلك تبع للتكليف، والتكليف إنما حسن؛ لأنه تعريض لمنزلة لا يصح استحقاقها إلا بالعمل، وهو الثواب لمقارنة التعظيم له.
  ومتى قيل: ليس فيه ذكر للأنعام؟
  قلنا: قوله: «وَإِنَّا» إشارة إلى الراكب والمركوب، فلا بد من إعادة الكل.
  ثم ذكر كفرهم مع هذه الأدلة الظاهرة، فقال - سبحانه -: «وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا» قيل: نصيبًا وبعضًا، وقيل: عِدْلاً، عن قتادة، ومقاتل، وقيل: زعموا أن الملائكة بنات الله، فيكونون بَعْضَهُ، كما أن الابن بَعْضُ الأب، عن الحسن، وقيل: