التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون 26 إلا الذي فطرني فإنه سيهدين 27 وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون 28 بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين 29 ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون 30 وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 31 أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32}

صفحة 6297 - الجزء 9

  وقيل: لما أمر بمناظرتهم بقوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} وهو ما دل عليه الدليل، فإن أبوا إلا التقليد فتقليد إبراهيم أولى؛ لأنهم من أولاده يعظمونه، ويدعون أنهم على طريقته.

  ويقال: كيف يتصل قوله: {بَل مَتَّعْتُ} بما قبله؟

  قلنا: لما عولوا على تقليد الآباء، ولم يتفكروا في الحجة، اغتروا بطول الإمهال، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا، فأعرضوا عن الحق.

  وقيل: لما ذكر إعراضهم بَيَّنَ أنهم أُتُوا من جهتهم، وأنه أزاح العلة، وأمهل، ومنع، وأمر ونهى كي يتفكروا ويُؤمِنُوا.

  · المعنى: «وَإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ» آزر «وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ» يعني الأوثان لا أعبدها، والنجوم، فإن قومه كانوا يعبدون النجوم «إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي» خلقني ابتداء، وهو الله تعالى، عن قتادة، قال: كانوا يقولون: الله ربنا مع عبادتهم الأوثان «فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ» إلى الحق بما نصب لي من الأدلة، وفيه بيان ثقته بِاللَّهِ، ودعاء لقومه، بطلب الهداية من ربه، وقيل: سيهدين إلى جنته وثوابه، وقيل: سينجيني من عذابه «وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ» يعني إبراهيم جعل هذه الكلمة باقية في ذريته لم يزل منهم مَن يقولها. واختلفوا، فقيل: الله تعالى جعلها باقية، يعني بأمره ولطفه، وقيل: إبراهيم جعلها باقية بأن يوصي بها، وأكد الأمر بالتكرير.

  واختلفوا في الكلمة، قيل: كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، عن مجاهد، وقتادة، والسدي، وقد جرى ذكره في قوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ٢٦ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}، وقيل: براءته من الشرك، عن أبي علي. والكلمة قوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا