التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 36 وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون 37 حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين 38 ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون 39 أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين 40}

صفحة 6306 - الجزء 9

  فيصير قرينه عوضًا عن ذكر الله، عن الحسن، وأبي مسلم. وإنما جاز التخلية لما علم أنه لا يفلح، وإن لم يكن الشيطان له قرينًا، وقيل: يقرنه في الآخرة؛ ليذهب به إلى النار، عن قتادة. كما أن المؤمن يصير قرينه مَلكًا يذهب به إلى الجنة، وقيل: يقرنه في النار حتى يكون قرينه، عن أبي علي. وقيل: هو قرين له في الدنيا، يوسوس له، ويزين له سوء عمله، ويُقْرَنُ به في الآخرة، ويبعث بهما إلى النار، وقيل: أراد شياطين الإنس نحو علماء السوء، ورؤساء الضلالة يصدون عن سبيل اللَّه، ويمتنعون عن اتباع الحق «وَإِنَّهُمْ» يعني الشياطين «لَيَصُدُّونَهُمْ» أي: يصرفون هَؤُلَاءِ الكفار «عَنِ السَّبِيلِ» أي: طريق الحق «وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» يعني يحسب الكافر أنه مُهْتَدٍ؛ لحسن ظنه واغتراره بمن يدعوه إلى الضلال «حَتَّى إِذَا جَاءَنَا» يعني جاء عرصة القيامة التي لا حكم إلا لله فيها «قَالَ» يعني الكافر الذي هو تابع للشيطان المتبوع «يَالَيتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ» قيل: بُعْدَ المشرق والمغرب، فغلب أحدهما على الآخر، كما يقال للشمس والقمر: قمران، ولأبي بكر وعمر: العُمَران، والحسن والحسين:

  حَسَنَان، قال الشاعر:

  أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمُ ... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ

  وقال آخر:

  فَبَصْرَةُ الأزْدِ مِنَّا والعِرَاقُ لنَا ... والمَوْصِلانِ وَمِنَّا مِصْرُ والحَرَمُ

  يعني الموصل والجزيرة، وقيل: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، والأول