التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين 67 ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون 68 الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين 69 ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون 70 يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون 71 وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون 72 لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون 73}

صفحة 6327 - الجزء 9

  · المعنى: لما تقدم ذكر الأحزاب بَيَّنَ أخلاء الطاعة وأخلاء المعصية، فقال - سبحانه -: «الْأَخِلَّاءُ» يعني المتواصلين في الدنيا في معصية الله «يَوْمَئِذٍ» يعني يوم القيامة «بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» قيل: إنما آلت الموافقة إلى العداوة؛ لأنها كانت موافقة على شيء يورث سوء العاقبة، وقيل: العداوة من أجل أن صاحبه سبب البلية فيما يظهر له يوم القيامة «إِلَّا الْمُتَّقِينَ» المتحابين في الله وفي طاعته، فإن الخلة يومئذ بينهم باقية والموافقة قائمة لما رأوا من حسن العاقبة، ولما جمعهم من الطاعة، وقيل: إذا مات المؤمن يبشر بالجنة، فيذكر صاحبه، فيجمع بينهما في الجنة، وإذا مات الكافر جمع بينه وبين قرينه في النار، عن أبي علي. «يَاعِبَادِي» أي: ويقال لهم: «يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» أمنوا العذاب، وأفيض عليهم الثواب.

  ثم بَيَّنَ صفة أولئك فقال: «الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ» منقادين لله مطيعين له «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ» قيل: أزواجهم: نساؤهم التي كانت لهم في الدنيا، عن أبي مسلم، وقيل: من الحور العين، عن أبي علي، والقاضي، وقيل: أزواجهم: قرناؤهم في طاعة الله، كما قال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}⁣[الصافات: ٢٢]. «تُحْبَرُونَ» قيل: تنعمون، عن قتادة، وابن زيد، والسدي، وقيل: تكرمون، وقيل: تسرون من الحبور.

  ثم بَيَّنَ أن حالهم كحال الملوك، فقال - سبحانه -: «يُطَافُ عَلَيهِمْ» يعني الوصائف والوصفاء، والحور العين تطوف عليهم بذلك، «بِصِحَافٍ» قيل: قِصَاع، عن السدي. «مِنْ ذَهَبٍ» ذكر ذلك؛ لأنه أعظم أموالهم عندهم «وَأَكْوَابٍ» وأباريق فاكتفى بذكر الصحاف والأكواب عن الطعام والشراب «وَفِيهَا» أي: في الجنة «مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ» من أنواع