قوله تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين 16 وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 17 ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون 18 إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين 19 هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون 20 أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون 21}
  مِنَ الطَّيِّبَاتِ» أي: أعطيناهم من أنواع الطيبات، وقيل: المراد به المن والسلوى في التِّيهِ «وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ» قيل: عالمي زمانهم، عن الحسن، وقيل: على جميع العالمين بكثرة النبيين فيهم، وفضل أمة محمد بكثرة العلماء فيهم، والعالمين بالحق منهم «وَآتَينَاهُمْ بَيَّنَّاتٍ مِنَ الْأَمْرِ» وهو أحكام التوراة «فَمَا اخْتَلَفُوا» في أمر دينهم «إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ» لم يختلفوا في شرائع رسلهم لقصور في البيان، إنهم اختلفوا بعد ما جاءتهم البينات لكن «بَغْيًا بَينَهُمْ» أي: طلبًا للرياسة، وتركًا لبيان الله - تعالى - «إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَينَهُمْ» أي: يحكم ويفصل «يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» فيقضي بين المحق والمبطل، فيثيب المؤمن، ويعاقب الكفار، وينتصف للمظلوم من الظالم «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ» أي: طريقة وسُنَّةٍ «مِنَ الأمرِ» من الدين، وهو الإسلام «فَاتَّبِعْهَا» أي: اتبع الشريعة، بأن تعمل بها «وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» أي: لا تتبع الجهال، قيل: إنما قال ذلك لما دعي إلى دين آبائه «إِنَّهُمْ» يعني الَّذِينَ لا يعلمون، وهم الكفار «لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا» أي: لا يدفعون عذابًا إن نزل بك «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» يعني الظالمين ينصر بعضهم بعضًا، ويوالي بعضهم بعضًا «وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ» أي: ناصرهم «هَذَا» يعني القرآن «بَصَائِرُ لِلنَّاسِ» أي: معالم في الدين، يبصرون بها أمور دينهم «وَهُدًى» بيان ودلالة «وَرَحْمَةٌ» أي: نعمة «لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» خصهم لانتفاعهم به «أَمْ حَسِبَ» (أم) ههنا استفهام، معطوف على معنى مضمر، تقديره: هذا القرآن بصائر تؤدي إلى الجنة أفعلموا ذلك، أم حسبوا أن نجعل المؤمن والمجرم سواء، عن أبي مسلم، ومعنى «أَمْ حَسِبَ» أي: أم ظن «الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيّئَاتِ» عملوا بالمعاصي «أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» أي: يظنون