قوله تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين 16 وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 17 ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون 18 إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين 19 هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون 20 أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون 21}
  استواء حال المطيع والعاصي في الثواب، بئس الحكم ذلك؛ لأن المؤمن ممدوح في الدنيا، مثاب مُعَظَّمٌ في الآخرة، والعاصي مذموم في الدنيا، معاقب في الآخرة، قال قتادة: تفرقوا في الدين، وتفرقوا عند الموت، وتباينوا عند المصير.
  · الأحكام: تدل الآيات على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ من وجوه:
  منها: أنه لا اختلاف بعد مجيء العلم احتجاجًا عليهم أن عند العلم لا ينبغي أن يختلفوا، فلو كان الخلاف هو الذي خلقه فيهم لم يكن للذم والاحتجاج معنى، ولا لكونه بعد العلم أو قبله فرق.
  ومنها: قوله: «لِلنَّاسِ» أن اختلافهم للبغي، وعندهم يخلق الاختلاف فيهم.
  ومنها: قوله: {يَقْضِي بَيْنَهُمْ} ولو كان جميع أفعالهم خلقًا له لكان يحكم لنفسه على نفسه.
  ومنها: قوله: {فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ} ولو كان خلقًا له لم يكن للأمر والنهي معنى؛ لأن الأمر موقوف على خَلْقِهِ.
  ويدل قوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} على أن لا ناصر للظالمين، فيدل أنه لا شفيع لهم.
  ويدل قوله: {هَذَا بَصَائِرُ} أن القرآن حجة يجب تدبره.
  ويدل قوله: {أَمْ حَسِبَ} أنه لا يستوي المطيع والعاصي، وإن قال: هما سواء فحكمه بئس الحكم، فدل على قولنا في الوعيد والمنزلة بين المنزلتين.