قوله تعالى: {حم 1 تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم 2 ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون 3 قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين 4 ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون 5}
  وأصل الباب: ما بقي من اسم الشيء، ويُقال: ما ثَمَّ عين ولا أثر.
  والغفلة: ذهاب المعنى عن نفس العاقل، ونقيضه: اليقظة حضور المعنى للنفس.
  · المعنى: {حم} قد بينا ما قيل فيه، وأن بعضهم قال: اسم للسورة، وبعضهم ذكر أنه إشارة إلى إعجاز القرآن، وبعضهم ذهب إلى أنه إشارة إلى حدوثه، وبعضهم قال: إنه مفاتيح أسماء الله «تَنْزِيلُ» يعني هذه السورة، أو القرآن «تَنْزِيلُ الْكِتَابِ» يعني منزلة «مِنَ اللَّهِ» الْعَزِيزِ القادر على كل مقدور «الْحَكِيمِ» في أفعاله، العالم بكَل شيء «مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ وَمَا بَينَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ» يعني أنه لم ينزل القرآن إلا ليتعبد عباده، وأنه ما خلق العالم إلا ليتعبد المكلفين؛ إذ لا بد في خلقه من غرض، وهو تعريض المكلف لدرجة لا تجوز إلا مستحقة، وليعلموا صانعهم وليشكروه، فلما خلق لهذا الغرض أنزل الكتاب ليدعوهم إلى ذلك، «وَأَجَلٍ مُسَمًّى» أي: إلى وقت معلوم، يعني لسعيهما إلى وقت معلوم، قيل: آخر التكليف، وقيل: إلى وقت قيام الساعة «وَالَّذِينَ كَفَرُوا [عَمَّا أُنْذِرُوا]» خُوِّفوا بالجزاء والحشر يوم القيامة، عن ابن عباس. «مُعْرِضُونَ» لقلة تفكرهم فيها، وقيل: مع ظهور البيان وكثرة الأدلة أعرضوا، عن الحسن. «قُلْ» يا محمد «أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: تدعونه إلهًا «أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ» كما أن الله خلق جميع الأرض وأبدعها «أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ» يعني ليس لهم شرك في خلقها ولا إمساكها، فإن ادعوا أحد الأمرين إما الانفراد بخلق الأشياء أو الشركة في الإلهية، وهي استحقاق العبادة فقل «ائْتُونِي