التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون 26 ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون 27 فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون 28 وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين 29 قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم 30}

صفحة 6426 - الجزء 9

  بأولئك، فقال - سبحانه -: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ» قيل: التمكين: التخلية والإمهال، أي: لم نعاجلهم وأمهلناهم لينظروا ويتفكروا، عن ابن عباس، وقيل: وَسَّعْنَا عليهم في الرزق والملاذّ، وأعطيناهم حواسًا سليمة لينظروا «فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ» قيل: كما مكناهم كذلك مكناكم، وقيل: فيما لم نمكنكم فيه، عن ابن عباس، وقتادة، يعني في بسطة الأجسام، وقوة الأبدان، وطول العمر، وكثرة المال، وقيل: هو خطاب لأصحاب النبي ÷ أي: مكنا أولئك ما لم نمكن لكم، فأطعتموني وهم أعرضوا مع كمال النعم عليهم، وفيه مدح هَؤُلَاءِ وذم لأولئك «وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً» يعني مع هذا التمكين أعطيناهم حواسَّ سليمة، أعينًا يبصرون بها، وآذانًا يسمعون بها، وقلوبًا يتفكرون بها لينتفعوا بهذه الحواس «فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ» أي: لم يكف ذلك عنهم شيئًا من عذاب الله، أي: لم تغن عنهم من عذابه لما نزل بهم «إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ» أي: حل لما استحقوا ذلك «مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» من الوعيد والعذاب، وقيل: لاستهزائهم «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى» خطاب لأهل مكة، يعني أهلكنا أخربناها خرابًا كديار عاد، وثمود، وأرض سدوم «وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ» أي: الحجج «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» أي: يرجعوا عن كفرهم، فلم يرجعوا فأهلكناهم، يخوف بذلك مشركي قومه «فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ» أي: هَلَّا نصرهم عند نزول العذاب بهم «الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً» يعني الأصنام اتخذوها سببًا يتقربون بها إلى الله تعالى على زعمهم، وقيل: معناه هلا نصرهم الَّذِينَ يتقربون إليهم بالعبادة من دون الله «بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ» أي: ذهبوا عن نصرتهم وتلاشوا «وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ» قيل: كذبهم الذي كانوا