التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم 1 والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم 2 ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم 3 فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم 4 سيهديهم ويصلح بالهم 5 ويدخلهم الجنة عرفها لهم 6}

صفحة 6439 - الجزء 9

  قول أو عمل، وهو الوجه، «وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبّهِمْ» أي: ما بينه، وهدى إليه، وقيل: القرآن «كَذَلِك يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ» أي: يزيد بضرب الأمثال بيانًا ووضوحًا، فالأمثال هو قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} يعني الكفار بمنزلة مَنْ دَعَاهُ الباطل فاتبعه، والمؤمن بمنزلة من دعاه الحق فاتبعه، وقيل: هو ضرب من الأمثال في القرآن.

  ومتى قيل: فلماذا أضاف الأمثال إليهم؟

  قلنا: لأنه ضرب لهم، ولنفعهم، وموعظة لهم.

  ثم أمر المؤمنين بقتال الكفار، فقال - سبحانه -: «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» يعني من أهل الحرب المُصِرِّين على الحرب؛ لأن أهل الذمة لا يجوز قتالهم وقتلهم، وكذلك من جاء مسترشدًا، أو تائبا، أو بأمان لا يجوز قتله، وقيل: إذا لقيتم، أي: إذا حاربتم من اللقاء الذي هو الحرب «فَضَرْبَ الرِّقَابِ» أي: اقتلوهم، والرقاب الأعناق، وإنما عبر بذلك عن القتل؛ لأنه لا يبقى حيًّا بعد ضرب الرقبة، وقيل: أمر بقتلهم من غير أسر ولا فداء، فإذا «أَثْخَنْتُمُوهُمْ» أي: قهرتموهم وعزرتموهم، وقيل: أكثرتم الجراح والقتل، وقتلتم بعضهم، وجرحتم البعض حتى ضعفوا «فَشُدُّوا الْوَثَاقَ» يعني شدوا وثاق الأسارى، فأمر بالقتل والأسر؛ لكيلا يقوى الكفر، وقيل: أراد كيلا يهربوا، وقيل: هذا في حرب واحد، ولم يرد جميع ذلك في شخص واحد، ولكن كما يقال: قتلناهم، وجرحناهم، وأسرناهم، وقيل: ليس هذا في حرب واحد؛ بل في حروب كثيرة، والقتل في حرب، والإثخان في حرب، والأسر في حرب؛ لتعظم الهيبة في قلوب الكفار.