التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم 1 والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم 2 ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم 3 فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم 4 سيهديهم ويصلح بالهم 5 ويدخلهم الجنة عرفها لهم 6}

صفحة 6440 - الجزء 9

  ثم بَيَّنَ الحال بعد الأسر فقال: «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً» أي: مَنًّا منكم عليهم بالإطلاق بعد الأسر من غير عوض، وإما فداء بعوض، بمال أو رجال، وقيل: المن بالإطلاق وبالإسلام؛ لأن أسير العرب إذا آمن يطلق، وأسير العجم إذا أسِرَ يستعبد «حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» أثقالها، قيل: أراد تضع أهل الحرب سلاحها حتى تزول الحرب، وهم المحاربون. أوزارها: آثامها، بأن يتوبوا من كفرهم، ويؤمنوا بالله، أي: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر، حتى يظهر الحق والإسلام على الأديان كلها، وقيل: حتى تنقطع الحرب عند نزول عيسى، فيسلم كل يهودي ونصراني، وصاحب ملة، وهي آخر أيام التكليف، عن مجاهد، وقيل: حتى يُعْبَدَ اللهُ، ولا يشرك به شيئًا، عن الحسن، وقيل: حتى لا يكون دين إلا الإسلام، عن مجاهد، وقيل: حتى يسلموا أو يسالموا، عن الكلبي، والأوزار المراد به ما دام الحرب قائمًا، أو يكون في دار الحرب، فأمر بالاحتياط [و] القتل والشد لنا من العدو.

  ثم بَيَّنَ الغرض في التعبد بالجهاد، فقال: «ذَلِكَ» قيل: الأمر بالجهاد، وقيل: ما ذكرناه من أحكام الكفار «وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ» لأهلكهم وكفى أمرهم من غير قتال «وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ» أي: يمتحن بعضكم ببعض، يعني لو كان الغرض زوال الكفر فقط لأهلكهم؛ لكن الغرض بذلك استحقاقهم للثواب؛ وذلك لا يحصل إلا بالتعبد وتحمل المشاق، قال أبو مسلم: تلك الآية ليمحص المؤمنين [بالجهاد]، ويمحق الكافرين. «وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي: في الجهاد في دين الله، وقيل: قتلوا يوم أحد، عن قتادة، وقاتلوا معناه جاهدوا «فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ»