التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم 1 والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم 2 ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم 3 فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم 4 سيهديهم ويصلح بالهم 5 ويدخلهم الجنة عرفها لهم 6}

صفحة 6441 - الجزء 9

  أي: لا تهلك؛ بل هي مقبولة يجازون عليها ثوابًا «سَيَهْدِيهِمْ» قيل: إلى الجنة وثوابها، وقيل: يثيبهم بالألطاف «وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ» أي: حالهم في الدارين، وقيل: الحال في النفس، والبال في الأحوال «وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ» قيل: طيبها لهم، عن المؤرج، وقيل: بَيّنهَا لهم، وأعلمهم بوصفها، على ما يسرون إليها حتى عرفوها بما وصف لهم في القرآن، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقيل: عرفها لهم يوم القيامة حتى أنهم يعرفون منازلهم كما يعرفون منازلهم في الدنيا، عن أبي سعيد الخدري، وقتادة، ومجاهد، وابن زيد، قال الحسن: وصف الجنة لهم في الدنيا، فلما دخلوها عرفوها بصفتها، وقيل: يصحب كل مؤمن ملَك إلى منزله، وقيل: نعم الجنة أرفع درجات، يعرف كل أحد درجته، درجة النبيين أعلاها، ودرجة المؤمنين، ودرجة المعصومين، ودرجة المبتدأ بالفضل عليهم.

  · الأحكام: يدل قوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية على الإحباط والتكفير.

  ويدل قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أن ما فعل بالفريقين جزاء على أعمالهم.

  ويدل قوله: «فَإِذَا لَقِيتُمُ» على تعليم الجهاد في القتال بعد الإثخان من الأسر والمنّ والفداء، واختلفوا في حكم معاملة المشركين في الحرب فيما نزلت بعد ذلك، فإذا أسره الإمام، فقيل: كان الأسر محرمًا بالآية، فقال: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}⁣[الأنفال: ٦٧] ثم أبيح بهذه الآية؛ لأن هذه السورة نزلت بعد ذلك، فإذا أسر فالإمام مخير بين المَنِّ والفداء بأسارى المسلمين وبالمال، وبين القتل والاستعباد، وهو قول الهادي، وأبي يوسف، ومحمد، والشافعي، واختيار أبي علي، وحكم الآية ثابت عندهم، وقيل: الإمام مخيّر بين المن والفداء والاستعباد، وليس له