قوله تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم 12 وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم 13 أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم 14 مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم 15}
  الله إلى الله وإِلَيَّ، ولو لم يخرجوني ما خرجت»، فنزلت: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ}، عن ابن عباس.
  وقيل: نزل قوله: {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} في أبي جهل وأصحابه من المشركين.
  · المعنى: لما ذكر أنه ولي المؤمنين بين ما يفعل بهم، فقال - سبحانه -: «إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ» أي: من تحت أشجارها وأبنيتها الأنهار.
  ثم بين حال الكفار فقال - سبحانه -: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ» أي: ينتفعون بالدنيا وملاذها «وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ» أي: همتهم في بطونهم وفروجهم همة الأنعام، يتمتعون بها، ويتباهون بفروجهم غافلين عن الآخرة، وقيل: المؤمن في الدنيا يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع. «وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ» أي: منزل وموضع إقامة.
  ومتى قيل: إذا كان التمتع والأكل مباحًا، فلم ذمهم عليهما؟
  قلنا: الذم إنما توجه على أنهم جعلوا أيامهم مقصورة على الأكل والتمتع، وأعمالهم للدنيا، وغفلوا عن الآخرة، فأما إذا عمل بطاعة الله، وجعل الدين مقصودًا، والدنيا تبعًا وزادًا، فذلك غير مذموم.
  «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ» أي: كم من قرية «هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ» قوتهم أعظم من قوة أهل قريتك «أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ» أي: لم ينصرهم أحد في دفع الهلاك عنهم، و «أَخْرَجَتْكَ» ألجأتك إلى الخروج؛ لأنه خرج بنفسه «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» يعني من كان في دينه وما يعتقد من التوحيد والعدل والشرائع «عَلَى بَيِّنَةٍ» أي: حجة لأجلها