التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم 36 إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم 37 هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم 38}

صفحة 6472 - الجزء 9

  {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} رفع؛ لأن المعنى: فمنكم الذي يبخل، ثم قال: {وَمَنْ يَبْخَلْ} جزم على الجزاء، وجوابه: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ} ورفع {يَبْخَلُ} لأجل الفاء.

  · المعنى: لما حث على الجهاد بَيَّنَ أن ضعفه لأجل الدنيا، فَبَيَّنَ حالها؛ لئلا يركن إليها، فقال - سبحانه -: «إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» وقيل: أراد به الكفار، وأنهم يؤثرون متاع الدنيا واللعب واللهو. وقيل: أراد التشبيه أي: كاللعب واللهو، وهو سرعة الانقضاء والانقطاع، قال الحسن: الذي خلقها هو أعلم بها. «- وَإِنْ تُؤْمِنُوا» بِاللَّهِ «وَتَتَّقُوا» معاصيه «يُؤْتِكُمْ» يعطيكم ربكم «أُجُورَكُمْ» أي: ثواب حسناتكم «وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ» قيل: لا يسألكم الرسول على أداء الرسالة أموالاً تعطونه، وقيل: لا يسألكم أموالكم لنفسه، إنما يسألكم ليكون نفعها لكم، وقيل: لا يسألكم جميع أموالكم أن تنفقوها في سبيل الله، وإنما يسألكم قليلًا، وهو ربع العشر ونحوها من الزكاة، عن سفيان بن عيينة، وأبي علي، وقيل: لا يسألكم أموالكم، وإنما يسأل أموال الله المفروضة في أموالكم وليس لكم، وقيل: لا يسألكم أموالكم حاجة فإنه غني عن الخلق وما في أيديهم، وقيل: لا يسألكم أموالكم؛ لأن الأموال كلها عارية لله في أيدي الناس، فيسأل عن مال نفسه.

  «إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا» فيه ثلاث كنايات:

  أولها: يسأل، قيل: كناية عن الله تعالى، وقيل: عن الرسول.