التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا 1 ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما 2 وينصرك الله نصرا عزيزا 3 هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما 4 ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما 5}

صفحة 6478 - الجزء 9

  جابر: ما كنا نعلم بفتح مكة إلا يوم الحديبية، وقيل: فتحنا: قضينا لك بالفتح والنصر، وقيل: هو فتح خيبر، عن مجاهد، وقال الشعبي: بالحديبية يوم بيعة الرضوان، وأطمعوا بخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس، وبلغ الهدي محله، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس؛ لأن ذلك كان أمارة لعلو كلمة الإسلام، وقيل: هو فتح الحديبية، عن الضحاك، وكان بعد، قال: والصلح من الفتح، وهو اختيار القاضي؛ لأن السورة نزلت قبل فتح مكة، وقيل: يسَّرنا لك يُسرًا بينًا، عن مقاتل، وقيل: فتح الله بالإسلام «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ»، عن الحسن، وقيل: هو الفتح والظفر على الأعداء كلهم بالحجج والمعجزات الظاهرة، وقيل: هو فتح الإسلام وظهوره، وذلك بأربعة أوجه:

  أحدها: تعريف الله نبيه أمر الدين، وإظهار الحجج حتى تكامل أصولها وفروعها، وجعل يفتح على غيره بأن يعلمه.

  وثانيها: تصديقه بالمعجزات الظاهرة، نحو القرآن، وحنين الجذع، وانفجار الماء من بين أصابعه، وانشقاق القمر.

  وثالثها: أنه تكفل بنصرته على أعدائه، حتَّى يظهر دينه على الأديان كلها.

  ورابعها: أنه نصره حالاً بعد حال، ونصر أمته حتى علا أمره، وظهر دينه، وقيل: أراد بالفتح ما عَلَّمَهُ من القرآن، وأنزل عليه من الوحي، وبيان الدين، فكأنه قال: علمتك القرآن والدين، وأوحيت إليك لتبلغ الرسالة، وتتقرب إليّ بجميع ما أمرتك، فأغفر لك الأول والآخر من ذنبك، عن أبي مسلم.