التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا 1 ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما 2 وينصرك الله نصرا عزيزا 3 هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما 4 ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما 5}

صفحة 6480 - الجزء 9

  وقيل: يقينًا معِ يقينهم، عن الضحاك، يعني ثقة بوعده ووعيده ويقينًا «وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أنه مالك جنود النسموات والأرض من الملائكة والمؤمنين، قيل: أنصار دينه، ينتقم بهم من أعدائهم، وقيل: كل الجنود عبيده.

  ومتى قيل: كيف أضاف جميع المؤمنين أنهم جنوده؟

  قلنا: لأنهم يحاربون أعداء الله بوجهين:

  أحدهما: الذب عن دينه، فينفون التشبيه عن صفاته والقبائح عن أفعاله، وكذلك يذبون عن أنبيائه كل ذلك بالحجج الدالة، فهم جنوده من هذا الوجه، وهم أهل التوحيد والعدل، كما أن الْمُجْبِرَة جنود الشيطان، ينفون الشر عنه ويضيفونه إلى الله - تعالى -. والثاني: المجاهدة بالسيف لإعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وهم أيضًا أهل التوحيد والعدل؛ لأنهم يجاهدون بالسيف ليتركوا الكفر، ويؤمنوا بالله، ويدينوا بدين الله الذي أمر به، وبعث أنبياءه بالدعاء إليه، فأما أهل الجبر إذا قالوا: إن الكفر خلق الله وإرادته وقضاؤه، ثم يحاربون في إزالته، ولا يرضون به، فهم يحاربون الله، حيث لم يرضوا بما خلق وأراد، وجاهدوا في دفعه فلم يكونوا جنده.

  «وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا» بالأشياء «حَكِيمًا» يفعل ما هو الصلاح لعباده «لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ» قيل: الواو دخل للإيذان بالتفضل، كأنه قيل: فتحنا ليغفر لك، وفتحنا ليدخل المؤمنين، فهو على التكرير، أي: ليدخلهم «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ» أي: من تحت أشجارها وأبنيتها «خَالِدينَ فِيهَا» أي: دائمين «وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ» وهي الصغائر «وَكَان ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ» قيل: هو قادر عليه مُعَدٌّ عنده، وقيل: في حكمه وملكه «فَوْزًا عَظِيمًا» أي: غنيمة وظفرًا لعظيم محله.

  · الأحكام: يدل قوله: «لِيَغْفِرَ» على جواز الصغائر على الأنبياء قبل النبوة وبعدها، خلاف قول الإمامية.