قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم 8 وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون 10}
  القاف: الجور، قَسَطَ يَقْسِطُ: جار، والقسوط: العدول عن الحق، وأصل الباب: العدول فمن عدل إلى العدل فقد أقسط، ومن مال إلى الجور فقد قَسَطَ، والقَسَطُ بفتح القاف والسين: اعوجاج في الرجلين لعدوله عن الاستقامة.
  · النزول: قيل: قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول الله ÷ في صدقات بني المصطلق، فخرجوا مسلحين يتلقونه فرحًا به، وإكرامًا وتعظيمًا لأمر رسول الله ÷، فظن أنَّهم هموا بقتله، فرجع إلى رسول اللَّه ÷ وقال: إنهم منعوني صَدَقَتَهُم.
  وقيل: كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية؛ فلذلك قال ما قال، فغضب النبي ÷ وهَمَّ أن يغزوهم، وبلغهم ذلك، فجاءوا وذكروا ذلك لرسول الله ÷، فبعث خالد بن الوليد فأخذ صدقاتهم، ولم ير منهم إلا الطاعة، ففي الوليد نزل قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ويزيد بن رومان، وابن أبي ليلى.
  وأما قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية، اختلفوا في سبب نزوله، فقيل: نزلت في رهط عبد الله بن أُبي، ورهط عبد الله بن رواحة، وذلك أن غبار حافر حمار رسول الله ÷ أصاب عبد الله بن أُبي فتكلم بما لا يعنيه، فنازعه عبد الله بن رواحة، وآلت تلك المنازعة إلى القتال بين الأوس والخزرج بالنعال، فنزلت الآية، فاصطلحوا، عن ابن عباس.
  وروي أن رسول الله ÷ وقف على حماره على نادي الأنصار، وفيهم عبد الله ابن أُبي، فراث حمارُه ÷ فأخذ عبد الله أنْفَهُ، وقال: إليك عنا حمارك فقد آذانا بنتنه، فقال ابن رواحة: حماره أطيب رِيحًا منك، فغضب قوم لعبد الله بن أُبي، وقوم لعبد الله بن رواحة، فتنازعوا بالنعال، ثم اصطلحوا، ففي ذلك نزلت الآية. عن جماعة من المفسرين.