التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم 8 وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون 10}

صفحة 6527 - الجزء 9

  وقيل: نزلت في رجلين من الأنصار جرت بينهما منازعة في حق لهما، فقال أحدهما للآخر: لآخذَنَّ حقي منك عنوة، ودعاه الآخر إلى المحاكمة إلى نبي الله ÷ فأبى، فلم تزل الأمور حتى كان تناولٌ بالأيدي والنعال دون السيوف، ثم اصطلحوا، ففيهم نزلت الآية، عن قتادة.

  وقيل: نزلت في حرب الأوس والخزرج في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أنزل الله تعالى هذه الآية، وأمر نبيه فصالح بينهم، فصاروا إخوانا، عن الكلبي.

  وقيل: كانت امرأة من الأنصار يقال لها: أم زيد، تحت رجل، وكان بينها وبين زوجها شيء، فحبسها، فبلغ قومها، فجاؤوا واقتتلوا بالأيدي والنعال، فأنزل الله تعالى الآية، عن السدي.

  · النظم: يقال: كيف يتصل قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} بما قبله؟

  قلنا: لما أمر بطاعة رسول الله ÷ بين أنه لا ينبغي للرسول أن يتبع أهواءهم، ويقبل قول الفساق؛ بل يفصل بما يثبت عنده.

  ويقال: كيف يتصل قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} بما قبله؟

  قلنا: لما بين أنه لو اتبع أهواءهم وأطاعهم في الأمر لعنتم، بين ما أمر به، وحبب إليهم.

  وقيل: لما أمر بالتثبيت في الأمور على ما يقتضيه الدين بين أنه حبب إليهم ذلك؛ لئلا يقعوا في العنت.

  ويقال: كيف يتصل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} بما قبله؟

  قلنا: لما أمر بطاعة الرسول، وأن يكونوا يدًا واحدة بَيَّنَ أنه إن وقع قتال وخلاف أن الواجب المصالحة، فإن أبوا فالواجب قتال الباغي.