التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم 8 وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون 10}

صفحة 6528 - الجزء 9

  «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ» من ارتكب فسقًا، وهو الكبيرة؛ لأن من لا يجانب الفسق لا يؤمن منه الكذب في أخباره «بنَبَإ» أي: بخبر «فَتَبَيَّنُوا» بالتاء والنون، أي: تعرفوا حتى تعلموا حقيقته، وبالثاء: تَأنَّوا فيه حتى تثبت عندكم حقيقته «أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ» أي: تصيبوهم بقتل أو قتال، وأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر «فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ» من ذلك «نَادِمِينَ» إذا علمتم ذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) فاتقوا الله أن تقولوا باطلاً، فإن الله تعالى يخبره أنباءكم، ويعرفه أحوالكم، فتفتضحون عنده «لَوْ يُطِيعُكُمْ» أي: يتبع مرادكم «فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ» قيل: يقبل قول بعضكم، وقيل: يقضي برأيكم «لَعَنِتُّمْ» أي: أثمتم، وقيل: أوقعتم في عنت، وهو الهلاك، وقيل: لحقَكم الضر والشدة، يعني لو قبل الرسول مع عظيم محله قول بعضكم لهلكتم، فكيف تقبلون أنتم، ولكن الله يوفق نبيه للصواب، فلا يعمل إلا المصالح، عن الأصم. «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ» وأنتم تطيعون الله ورسوله، ويذهب عنكم العنت، وقيل: حبب بالأدلة على صحته واستقامته، وقيل: بألطافه، وقيل: ما وصفه من الثواب عليه، عن الحسن. ويحمل على أنه حَبَّبَ بالأمر به، والدلالة عليه، والألطاف الداعية إليه، وما وعد من الثواب على فعله، وقوله: «حَبَّبَ» أراد فعل ما عنده تحبون الإيمان من الأشياء التي ذكرناها «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ» أي: فعل ما عنده تكرهون «الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ» قيل: بألطافه، وقيل: بما وصف من العقاب عليه، عن الحسن. وقيل: بجميع وجوه الصوارف «أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ» أي: من تمسك بهذه الطريقة كان على رشد وصواب، وإنما رتب ثلاث رتب؛ لأن المعاصي على ثلاثة أضرب: كفرٌ وفِسْقٌ، وهو الكبائر، وعصيان، وهو الصغائر «فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً» يعني رشادهم بدعاء الرسول، وتمكين