التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم 8 وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون 10}

صفحة 6530 - الجزء 9

  أبو علي وأبو هاشم: لا يقبل، قال: إذا كان الكذب في المعاملات وحقوق الناس يوجب رد قوله، فالكذب على الله ورسوله، وعلى سادات الإسلام من المهاجرين والأنصار أولى بالرد، قال القاضي: قولهما أقيس، وقول الفقهاء أقرب إلى الآثار. قال أبو علي: تدل الآية على أن خبر الواحد لا يقبل لأنه قال: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} وبخبر الواحد لا يحصل العلم، فلا نأمن الجهالة فاسقًا كان أو مستورًا.

  قلنا: هذا ينتقض عليه بخبر الاثنين، واستدل جماعة بالآية على أن خبر الواحد يقبل؛ لأنه لو كان لا يقبل خبر العدل لم يكن لذكر الفاسق معنى.

  وقيل: إنها لا تدل إلا على التثبت في خبر الفاسق، فأما غير ذلك فليس في الظاهر ما يدل على رد وقبول.

  وتدل على تحريم التقليد؛ لأن فيه اعتقاد ما لا يُؤمَن كونه جهلًا وفاسدًا.

  واستدل بعضهم بالآية على أنه يجب التوقف في خبر الواحد إذا جوز كونه فاسقًا، وإن كان ظاهره الستر، قال: لأن الوليد كان مستورًا، لذلك استعمله رسول الله ÷، ولولا ذلك لما كان بعثه على الصدقات وما ولاه، وهذا لا يصح؛ لأن ظاهره كان الستر، فاستعمله، ثم علم بخبر الله أنه فاسق.

  وتدل على أن خبر الواحد لا يوجب العلم.

  ويدل ظاهره على التوقف فيه، وتعليله على وجوب الرد.

  فأما قوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} يدل على أنه لا يريد القبائح؛ لأنه منع رسوله عن الرجوع إلى قول الفاسق؛ لئلا يلحقنا عنت، فكيف يريد نفس العنت، وكيف يفعله؟

  فأما قوله: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} تدل الآية على أشياء: