التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون 11 ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم 12 ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير 13}

صفحة 6538 - الجزء 9

  كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّهُ، وقيل: «الغيبة ذكر العيب بظهر الغيب».

  ثم أكد التحريم فقال: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» شبه الغيبة به فلا شيء أعظم في التكره والاستقذار منه، وكذلك ينبغي أن يستقذروا الغيبة، قال قتادة: يقول: كما أنت تكره أكل الجيفة كذلك فَاكْرَهْ لحم أخيك «وَاتَّقُوا اللَّهَ» في جميع ما نهاكم عنه، وقيل: اتقوا عذابه أي: توبوا «إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» بعباده يغفر لهم ويدخلهم الجنة.

  ثم بَيَّنَ أن الفضل بالتقوى؛ لكيلا يتفاخروا بالأنساب فيؤدي إلى الفرقة، فقال - سبحانه -: «يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى» قيل: من آدم وحواء، وقيل: خلقنا كل واحد من أب وأم، وقيل: خلق الولد من ماء الرجل والمرأة بدليل الآية، عن مجاهد. «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» أي: جعلنا الشعوب والقبائل للتعارف لا ليتفاخر به، وذلك أنه لولا الأنساب لما عرف الناس، وإنما يعرف زيد من زيد بالنسب، واختلفوا في الشعوب والقبائل فقيل: الشعوب النسب الأبعد كمضر وربيعة، والأوس والخزرج، والقبائل الأقرب كبني هاشم وبني أمية وتميم، عن مجاهد، وقتادة. وقيل: الشعوب أعم والقبائل أخص، وقيل: الشعوب دون القبائل، سمي بذلك لتشعبها وتفرقها، وقيل: الشعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل، قال أبو روق: والشعوب من لا تنتسب إلى أب، ولكن تنسب إلى بلد، والقبائل الَّذِينَ ينتسبون إلى آبائهم «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، قيل: أكرمكم على الله أتقاكم لا أعظمكم بيتًا، عن ابن عباس، وعطاء، وروي ذلك في خبر مرفوع، وعن النبي ÷: «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله»، وعن ابن عباسٍ: