التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ق والقرآن المجيد 1 بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب 2 أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد 3 قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ 4 بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج 5}

صفحة 6548 - الجزء 9

  - سبحانه -: «بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ» أي: رسول مُخَوِّفٌ يخوفهم عقاب الله إن لم يؤمنوا، وقيل: يخوفهم بالبعث بعد الموت «منهم» بالنسب، يعرفون عظيم نسبه وأمانته وأخلاقه وحسن طريقته، وقيل: عجبوا من كون الرسول بشرًا مثلهم، والعجب أنهم لم يرضوا ببشر رسولاً، وقالوا: هلا كان مَلَكًا، ثُمَّ يرضون بحجر إلهًا لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر فعبدوها، وهذا غاية الجهل.

  ومتى قيل: لماذا لم يبعث مَلَكًا؟

  قلنا: هو أعلم بالمصالح، ولأن الجنس إلى الجنس أَسْكَنُ وأميل، ولأن الجنس لا يعبد جنسه، ولو بعث مَلَكًا لم يُؤْمَنْ أن يعبدوه فتكون مفسدة، ولأنه قال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا}⁣[الأنعام: ٩].

  «فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيءٌ عَجِيبٌ» ثم بين بماذا تعجبهم فقال: «أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا» وفيه حذف أي: لنبعث، ثم أنكروا فقالوا «ذَلِكَ رَجْعٌ» أي: رجوع إلى حال الحياة وإعادة بعيدة أيكون؟ أي: لا يكون ذلك، فأجابهم الله تعالى بأنه لا موضع للعجب والإنكار فإنه القادر على الإعادة والعالم بالأجزاء المتفرقة فما المانع من إعادته؟ فقال - سبحانه -: «قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرضُ مِنْهُمْ» أي: ما أكل من لحومهم وعظامهم حتى صار ترابًا متفرقًا، وقيل: معناه: قد علمنا ما يبلى منهم وما يبقى، وقيل: قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى، عن السدي. «وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ» قيل: كتاب الموكل بهم يكتبون أعمالهم، فهي محفوظة للجزاء إشارة إلى وجوب الإعادة للجزاء، وقيل: هو اللوح المحفوظ وفيه كل شيء مكتوب، يعني أن الخبر بالإعادة مكتوب في اللوح المحفوظ، ومعنى (حفيظ) أنه لا يشذ عنه شيء، وقيل: محفوظ من التغيير والزيادة والنقصان، وقيل: محفوظ من الشياطين «بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ» قيل: بالقرآن، وقيل: بالرسول، فمرة قالوا: مجنون، ومرة قالوا: ساحر، ومرة قالوا: شاعر، فتحيروا في أمره لجهلهم بحاله، وقيل: بالخبر عن البعث «فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ» قيل: منكر، عن ابن عباس. وقيل: مختلط، عن ابن زيد. وقيل: في ضلالة، وقيل: ملتبس، عن سعيد بن جبير، ومجاهد. وقيل: مختلف؛ لأن منهم مُنْكِرًا، ومنهم شاكًّا ومنهم مجوزًا.