التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج 6 والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج 7 تبصرة وذكرى لكل عبد منيب 8 ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد 9 والنخل باسقات لها طلع نضيد 10 رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج 11}

صفحة 6552 - الجزء 9

  و {بَاسِقَاتٍ} محلها نصب على الحال.

  و {رِزْقًا} نصب على تقدير: جعلنا ذلك رِزْقًا.

  · المعنى: لما تقدم من ذكر البعث عقبه بذكر أدلة التوحيد وجواز البعث، فقال - سبحانه -: «أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ» أي: هلا نظروا إلى السماء فوقهم وتفكروا؛ ليعلموا أن له صانعًا يقدر على البعث «كَيفَ بَنَينَاهَا» مع عظمها لا على مكان، وكيف أسكنها وبقاها حتى لا تتغير، وكيف أمسكها، وكيف زينها «وَزَيَّنَّاهَا» بالكواكب المختلفة «وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ» قيل: شقوق وخلل مع أن الأبنية العظيمة لا تخلو من ذلك، وقيل: ليس فيها تفاوت واختلاف، عن الكسائي. وقيل: الفروج المتفرق بعضه عن بعض، عن ابن زيد. وإنما قال: «فوقهم» تنبيهًا أنهم يشاهدونها مع وضوح دلائلها ثم لا يتفكرون فيها «وَالأَرضَ مَدَدْنَاهَا» أي: بسطناها «وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ» أي: الجبال جعلها أوتادًا لولاها لاضطربت لحركات الناس عليها، عن الحسن. «وَأَنْبَتْنَا فِيهَا» في الأرض «مِنْ كُلِّ زَوْجٍ» صنف وضرب «بَهِيجٍ» أي: حسن المنظر، عن ابن زيد. وقيل: حَسَنٌ مَنْ يراه يَسُرُّه «تَبْصِرَةً» أي: جعلناه تبصرة يعني دليلًا يبصر به الحق «وَذِكْرَى» عظة وتذكيرًا وتنبيهًا له على أن من قدر على مثل هذه الأشياء قدر على الإعادة، وقيل: (ذكرى) تُذَكِّرُ الأدلة، وقيل: تُذَكر النعم «لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ» راجع إلى الله تعالى، وخصهم به؛ لأنهم انتفعوا به «وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ» قيل: من السحاب، وقيل: من نفس السماء إلى السحاب ثم إلى الأرض «مَاءً» يعني المطر «مُبَارَكًا» قيل: سماه مباركًا لعظم النفع به، وقيل: لثبوت منافعه من أنواع النبات والحبوب «فَأَنْبَتْنَا بِهِ» بالمطر والماء «جَنَّاتٍ» وهي البساتين التي فيها الأشجار «وَحَبَّ الْحَصِيدِ» يعني حب كل شيء يحصد كالبر والشعير، عن قتادة؛ لأن من شأنه أن يحصد «وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ»