قوله تعالى: {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود 12 وعاد وفرعون وإخوان لوط 13 وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد 14 أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد 15 ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد 16 إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد 17 ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد 18 وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد 19}
  ومتى قيل: فما وجه اللبس في الإعادة مع علمهم أن من قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر؟
  قلنا: يحتمل أنهم اعتقدوا حدوث هذه الأشياء لا باختيار مختار؛ لكن بالطبع والقوة كما يزعمه كثير من الملحدة، ويحتمل أنهم اعتقدوا إذا فنيت هذه الأشياء لا يجوز أن تعاد كما يقوله كثير من الملحدة.
  ومتى قيل: كيف يعلم بالابتداء جواز الإعادة؟
  قلنا: لأن الشيء إذا كان مما لا يبقى لا يجوز أن يعاد؛ لأن من حقه ألا يكون وجوده إلا وقتًا واحدًا، ومقدور القدر لا تجوز عليه الإعادة لمعنى في القدرة.
  «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ» أي: تحدث به عليه، يعني لا تخفى عليه سرائره «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» قيل: حبل الوريد عرق الحلق، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: الوريد عرق متعلق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه، عن الحسن. والحبل الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
  ومتى قيل: بأي شيء هو أقرب؟
  قلنا: بالعلم والقدرة، وقيل: لأن أبعاضه يحجب بعضها بعضًا والله تعالى يدركه لا يحجبه شيء، وقيل: نحن أقرب إليه ممن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب، في أنّا أعلم به، ولا يحمل على قرب المكان؛ لأنه من صفة الأجسام.
  «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ» وقد وكلهما الله به مع علمه بأعمالهم ليكتبا أعماله تأكيدًا للحجة ولطفا للخلق، وقيل: الحفظة أربعة: ملكان بالنهار وملكان بالليل، عن الحسن. وقيل: عن اليمين ملك يكتب الحسنات، وعن الشمال ملك يكتب السيئات، عن الحسن، ومجاهد. و «قَعِيدٌ» قيل: قاعد، عن الحسن. وقيل: القعيد الرجل، عن مجاهد. «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ» أي: ما يتكلم بشيء،