قوله تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص 36 إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد 37 ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب 38 فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب 39 ومن الليل فسبحه وأدبار السجود 40}
  السلطان فلانًا أي جعله نقيبًا «هَلْ مِنْ مَحِيصٍ» أي: طافوا، هل من مهرب وملجأ من الموت ومن العذاب، وقيل: فيه إضمار، أي: هل كان لهم مال محيص؟ ألم يكن لهم مع قوتهم وكثرتهم وكثرة أموالهم محيص؟ وأنتم مع قصوركم عنهم كيف تجدون المحيص؟ «إِنَّ فِي ذَلِكَ» أي: فيما تقدم ذكره من العبر «لَذِكْرَى» أي: عظة وتذكرة «لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» قيل: عقل يتفكر به فكنى بالقلب عن العقل؛ لأنه محله، وقيل: لمن كان له قلب حي، وقيل: لمن كان له قلب يفهم به، وأذن يسمع به، وقيل: قلب يحضر به للتفهم، وسمع يحضره للسماع ولا يكون غافلاً، وقيل: «لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» أي: لمن كان قلبه لا يشغله عن أمر آخرته بالغفلة وأمور الدنيا وشهواته، وقيل: من كان له قلب مستقر مع الله لا ينقلب عن الله، ولا يغفل عنه طرفة عين «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» أي: استمع القرآن والدين الحق، تقول العرب: أَلْقِ إليَّ سمعك، يعني استمع {وَهُوَ شهيدٌ} يعني شهيد بمعنى ما يسمع غير غافل عنه، عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وسفيان. وقيل: شهيد بأن يحضره سمعه وبصره وقلبه إحضار مستدل مسترشد، ولا يكون كالغائب للغفلة، وقيل: شهيد على ما يقرأ ويسمع في كتب الله السالفة من بعث محمد ÷ وصفته، والآية في أهل الكتاب، والأول أظهر.
  ثم بَيَّنَ قدرته على إنزال العذاب بهم بخلق الأشياء، فقال - سبحانه -: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ» قيل: من نَصَبٍ، عن ابن عباس، ومجاهد، قال قتادة. أكذب اللهُ اليهودَ حيث قالوا: ثم استراح يوم السبت، وهو عندهم يوم الراحة، أوعدهم على ما قالوا فقال - سبحانه -: «فَاصْبِرْ» يا محمد «عَلَى مَا يَقُولُونَ» مما لا يليق به وصفاته، وقيل: اصبر على ما يقولون مما يحزنك من قولهم: إنه شاعر أو مجنون، والأول أوجه؛ لأنه نسق الكلام، فأمره عقيب قولهم بتنزيه الله عن قولهم، فكأنه أمره بالصبر؛ لأنه ينتصر منهم وينتقم «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ» قيل: نزه الله في عموم أوقاتك، وقيل: قل سبحان الله